فقال المتنبي: إن صح أن الذي استدرك على امرىء القيس هذا هو أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا، ومولانا يعلم أن الثوب لا يعلمه البزّاز كما يعلمه الحائك؛ لأن البزاز يعرف جملته، والحائك يعرف تفاصيله، وإنما قرن امرؤ القيس النساء بلذة الركوب للصيد؛ وقرن السماحة بسباء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء، وكذلك لما ذكرت الموت في صدر البيت الأول اتبعته بذكر الردى في آخره، ليكون أحسن تلاؤما، ولما كان وجه المنهزم الجريح عبوسا وعينه باكية قلت «ووجهك وضّاح وثغرك باسم» لأجمع بين الأضداد.
[القسم الثاني: في صحة التقسيم وفساده.]
ولسنا نريد بذلك ههنا ما تقتضيه القسمة العقلية، كما يذهب إليه المتكلمون؛ فإن ذلك يقتضي أشياء مستحيلة، كقولهم: الجواهر لا تخلو: إما أن تكون مجتمعة، أو مفترقة، أو لا مجتمعة ولا مفترقة، أو مجتمعة ومفترقة معا، أو بعضها مجتمعة وبعضها مفترقة؛ ألا ترى أن هذه القسمة صحيحة من حيث العقل؛ لاستيفاء الأقسام جميعها وإن كان من جملتها ما يستحيل وجوده.
وإنما نريد بالتقسيم ههنا ما يقتضيه المعنى مما يمكن وجوده من غير أن يترك منها قسم واحد، وإذا ذكرت قام كلّ قسم منها بنفسه، ولم يشارك غيره، فتارة يكون التقسيم بلفظة «إما» وتارة بلفظة بين كقولنا: بين كذا وكذا، وتارة منهم، كقولنا:
منهم كذا، ومنهم كذا، وتارة بأن يذكر العدد المراد أولا بالذكر، ثم يقسم؛ كقولنا: