وهذه الآية منطبقة المعنى على الآية التي قبلها؛ فأصحاب المشأمة هم الظالمون لأنفسهم، وأصحاب الميمنة هم المقتصدون، والسابقون هم السابقون بالخيرات.
وعلى نحو من ذلك جاء قوله تعالى: هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا
فإن الناس عند رؤية البرق بين خائف وطامع، وليس لنا قسم ثالث.
فإن قيل: إن استيفاء الأقسام ليس شرطا، وترك بعض الأقسام لا يقدح في الكلام، وقد ورد في القرآن الكريم، كقوله تعالى: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون
فذكر أصحاب الجنة دون أصحاب النار.
فالجواب عن ذلك أني أقول: هذا لا ينقض على ما ذكرته؛ فإن استيفاء الأقسام يلزم فيما استبهم الإجمال فيه، ألا ترى إلى قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم
فإنه حيث قال فمنهم
لزم استيفاء الأقسام الثلاثة، ولو اقتصر على قسمين منها لم يجز، وأما هذه الآية التي هي لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة
فإنه إنما خصّ أصحاب الجنة بالذكر للعلم بأن أصحاب النار لا فوز لهم، ولو خص أصحاب النار بالذكر لعلم أيضا ما لأصحاب الجنة، وكذلك كل ما يجري هذا المجرى؛ فإنه إنما ينظر فيه إلى المستبهم وغير المستبهم، فاعرفه.
وكان جماعة من أرباب هذه الصناعة يعجبون بقول بعض الأعراب، ويزعمون أن ذلك من أصح التقسيمات، وهو قولهم: النّعم ثلاثة: نعمة في حال كونها، ونعمة ترجى مستقبلة، ونعمة تأتي غير محتسبة، فأبقى الله عليك ما أنت فيه، وحقّق ظنك فيما ترتجيه، وتفضّل عليك بما لم تحتسبه.
وهذا القول فاسد؛ فإن في أقسام النعم التي قسمها نقصا لا بد منه، وزيادة لا حاجة إليها، فأما النقص فإغفال النعمة الماضية، وأما الزيادة فقوله بعد المستقبلة: ونعمة تأتي غير محتسبة؛ لأن النعمة التي تأتي غير محتسبة داخلة في قسم النعمة المستقبلة، وذاك أن النعمة المستقبلة تنقسم قسمين: أحدهما يرجى