وجدناها تارة تكتسى حسنا، وتارة يسلب ذلك الحسن عنها، فعلمنا أن ذلك حادث عن اختلاف تأليف حركاتها.
واعلم أنه قد توالت حركة الضم في بعض الألفاظ، ولم يحدث فيها كراهة ولا ثقلا، كقوله تعالى: ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر
وكقوله تعالى: إن المجرمين في ضلال وسعر
وكقوله تعالى: وكل شيء فعلوه في الزبر
فحركة الضم في هذه الألفاظ متوالية، وليس بها من ثقل ولا كراهة، وكذلك ورد قول أبي تمام «١» :
نفس يحتثّه نفس ... ودموع ليس تحتبس
ومغان للكرى دثر ... عطل من عهده درس
شهرت ما كنت أكتمه ... ناطقات بالهوى خرس
فانظر كيف جاءت هذه الألفاظ الأربعة مضمومات كلها، وهي مع ذلك حسنة لا ثقل بها، ولا ينبو السمع عنها.
وهذا لا ينقض ما أشرنا إليه؛ لأن الغالب أن يكون توالي حركة الضم مستثقلا، فإذا شذ عن ذلك شيء يسير لا ينقض الأصل المقيس عليه.
[القسم الثاني: الألفاظ المركبة:]
قد قدّمنا القول في شرح أحوال اللفظ المفردة، وما يختص بها، وأما إذا صارت مركبة فإن لتركيبها حكما آخر؛ وذاك أنه يحدث عنه من فوائد التأليفات والامتزاجات ما يخيل للسامع أن هذه الألفاظ ليست تلك التي كانت مفردة، ومثال ذلك كمن أخذ لآلىء ليست من ذوات القيم الغالية فألّفها، وأحسن الوضع في تأليفها؛ فخيل للناظر بحسن تأليفه وإتقان صنعته أنها ليست تلك التي كانت منثورة مبدّدة، وفي عكس ذلك من يأخذ لآلىء من ذوات القيم الغالية فيفسد تأليفها؛ فإنه يضع من حسنها، وكذلك يجري حكم الألفاظ العالية مع فساد التأليف؛ وهذا موضع شريف ينبغي الالتفات إليه، والعناية به.