وهذا باب طويل عريض، يشتمل على أسرار دقيقة، منها ما استخرجته أنا، ومنها ما وجدته في أقوال علماء البيان، وسأورد ذلك مبينا.
وهو ضربان: الأول يختص بدلالة الألفاظ على المعاني، ولو أخر المقدم أو قدم المؤخر لتغير المعنى، والثاني يختص بدرجة التقدم في الذكر لاختصاصه بما يوجب له ذلك، ولو أخر لما تغير المعنى.
فأما الضرب الأول فإنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما يكون التقديم فيه هو الأبلغ؛ والآخر يكون التأخير فيه هو الأبلغ.
فأما القسم الذي يكون التقديم فيه هو الأبلغ فكتقديم المفعول على الفعل، وتقديم الخبر على المبتدأ، وتقديم الظرف أو الحال أو الاستثناء على العامل.
فمن ذلك تقديم المفعول على الفعل، كقولك: زيدا ضربت، وضربت زيدا، فإن في قولك «زيدا ضربت» تخصيصا به بالضرب دون غيره، وذلك بخلاف قولك «ضرب زيدا» ؛ لأنك إذا قدمت الفعل كنت بالخيار في إيقاعه على أيّ مفعول شئت، بأن تقول: ضربت خالدا، أو بكرا، أو غيرهما، وإذا أخّرته لزم الاختصاص للمفعول.
وكذلك تقديم خبر المبتدأ عليه، كقولك: زيد قائم، وقائم زيد؛ فقولك «قائم زيد» قد أثبتّ له القيام دون غيره، وقولك «زيد قائم» أنت بالخيار في إثبات القيام له ونفيه عنه؛ بأن تقول: ضارب، أو جالس، أو غير ذلك.
وهكذا يجري الحكم في تقديم الظرف، كقولك: إن إليّ مصير هذا الأمر، وقولك: إنّ مصير هذا الأمر إليّ؛ فإن تقديم الظرف دلّ على أن مصير الأمر ليس