إلا إليك، وذلك بخلاف قولك: إن مصير هذا الأمر إليّ؛ إذ يحتمل إيقاع الكلام بعد الظرف على غيرك؛ فيقال: إلى زيد، أو عمرو، أو غيرهما.
وكذلك يجري الأمر في الحال والاستثناء.
وقال علماء البيان- ومنهم الزمخشري رحمه الله-: إن تقديم هذه الصورة المذكورة إنما هو للاختصاص، وليس كذلك، والذي عندي فيه أن يستعمل على وجهين: أحدهما الاختصاص، والآخر مراعاة نظم الكلام، وذاك أن يكون نظمه لا يحسن إلا بالتقديم، وإذا أخر المقدّم ذهب ذلك الحسن، وهذا الوجه أبلغ وأوكد من الاختصاص.
فأما الأول الذي هو الاختصاص فنحو قوله تعالى: أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون. ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين
فإنه إنما قيل بل الله فاعبد
ولم يقل «بل اعبد الله» لأنه إذا تقدم وجب اختصاص العبادة به دون غيره، ولو قال «بل اعبد» لجاز إيقاع الفعل على أي مفعول شاء.
وأما الوجه الثاني الذي يختص بنظم الكلام فنحو قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين
وقد ذكر الزمخشري في تفسيره أن التقديم في هذا الموضع قصد به الاختصاص، وليس كذلك؛ فإنه لم يقدم المفعول فيه على الفعل للاختصاص وإنما قدم لمكان نظم الكلام؛ لأنه لو قال نعبدك ونستعينك لم يكن له من الحسن ما لقوله: إياك نعبد وإياك نستعين
ألا ترى أنه تقدم قوله تعالى: الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين
فجاء بعد ذلك قوله: إياك نعبد وإياك نستعين
وذاك لمراعاة حسن النظم السّجعيّ الذي هو على حرف النون، ولو قال نعبدك ونستعينك لذهبت تلك الطلاوة، وزال ذلك الحسن، وهذا غير خاف على أحد من الناس، فضلا عن أرباب علم البيان.
وعلى نحو منه ورد قوله تعالى: فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى
وتقدير الكلام فأوجس موسى في نفسه خيفة، وإنما قدم