وسأذكر ما عندي في الفرق بينهما، وأميز أحدهما عن الآخر؛ ليعرف كل منهما على انفراده؛ فأقول:
[أما الكناية]
فقد حدّت بحد؛ فقيل: هي اللفظ الدالّ على الشيء على غير الوضع الحقيقي بوصف جامع بين الكناية والمكنى عنه، كالّلمس والجماع؛ فإن الجماع اسم موضوع حقيقي واللمس كناية عنه، وبينهما الوصف الجامع، إذ الجماع لمس وزيادة، فكان دالا عليه بالوضع المجازي.
هذا الحد فاسد؛ لأنه يجوز أن يكون حدّا للتشبيه؛ فإن التشبيه هو اللفظ الدال على غير الوضع الحقيقي لجامع بين المشبه والمشبه به وصفة من الأوصاف؛ ألا ترى أنا إذا قلنا: زيد أسد، كان ذلك لفظا دالا على غير الوضح الحقيقي، بوصف جامع بين زيد والأسد، وذلك الوصف هو الشجاعة، ومن ههنا وقع الغلط لمن أشرت إليه في الذي ذكره في حد الكناية.
وأما علماء أصول الفقه فإنهم قالوا في حد الكناية: إنها اللفظ المحتمل، يريدون بذلك أنها اللفظ الذي يحتمل الدلالة على المعنى وعلى خلافه.
وهذا فاسد؛ فإنه ليس كل لفظ يدل على المعنى وعلى خلافه بكناية، دليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «إذا لم تستح فافعل ما شئت» فإن هذا اللفظ يدلّ على المعنى وعلى خلافه، وبيان ذلك أنه يقول في أحد معنييه: إنك إذا لم يكن لك وازع يزعك عن الحياء فافعل ما شئت، وأما معناه الآخر فإنه يقول: إذا لم تفعل فعلا يستحى منه فافعل ما شئت، وهذا ليس من الكناية في شيء؛ فبطل إذا هذا الحد؛ ومثال الفقيه في قوله «إن الكناية هي اللفظ المحتمل» مثال من أراد أن يحدّ الإنسان فأتى بحد الحيوان؛ فعبر بالأعم وكذلك يقال ههنا، فإن كل كناية لفظ محتمل، وليس كل لفظ محتمل كناية.
والذي عندي في ذلك أن الكناية إذا وردت تجاذبها جانبا حقيقة ومجاز، وجاز حملها على الجانبين معا، ألا ترى أن اللمس في قوله تعالى: أو لامستم النساء*
يجوز حمله على الحقيقة والمجاز؛ وكل منهما يصح به المعنى، ولا يختلّ، ولهذا ذهب الشافعي رحمه الله ألى أن اللمس هو مصافحة الجسد الجسد، فأوجب