وفائدة هذا الفصل الإحاطة بأساليب المعاني على اختلافها وتباينها، وصاحب هذه الصناعة مفتقر إلى هذا الفصل والذي يليه، بخلاف غيرهما من هذه الفصول المذكورة، لا سيما مفسري الأشعار؛ فإنهم به أعنى.
واعلم أن الأصل في المعنى أن يحمل على ظاهره لفظه، ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليل، كقوله تعالى:«وثيابك فطهر»
فالظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس، ومن تأول ذهب إلى أن المراد هو القلب، لا الملبوس، وهذا لا بد له من دليل؛ لأنه عدول عن ظاهر اللفظ، وكذلك ورد عن عيسى بن مريم عليه السلام أنه قال: إذا أردت أن تصلي فادخل بيتك وأغلق بابك، فالظاهر من هذا هو البيت والباب، ومن تأول ذهب إلى أنه أراد أنك تجمع عليك همّ قلبك وتمنع أن يخطر به سوى أمر الصلاة، فعبّر عن القلب بالبيت، وعن منع الخواطر التي تخطر له بإغلاق الباب، وهذا يحتاج إلى دليل؛ لأنه عدول عن ظاهر اللفظ؛ فالمعنى المحمول على ظاهره لا يقع في تفسيره خلاف، والمعنى المعدول عن ظاهره إلى التأويل يقع فيه الخلاف؛ إذ باب التأويل غير محصور، والعلماء متفاوتون في هذا، فإنه قد يأخذ بعضهم وجها ضعيفا من التأويل فيكسوه بعبارته قوة تميزه على غيره من الوجود القوية؛ فإن السيف بضاربه:
إنّ السّيوف مع الّذين قلوبهم ... كقلوبهنّ إذا التقى الجمعان
تلقى الحسام على جراءة حدّه ... مثل الجبان بكفّ كلّ جبان
وذهب بعضهم في الفرق بين التفسير والتأويل إلى شيء غير مرضيّ، فقال: