هذا النوع قد ذكره أبو الفتح بن جني في كتاب «الخصائص» ، إلا أنه لم يورده كما أوردته أنا، ولا نبّه على ما نبهت عليه من النكت التي تضمنته، وهذا يظهر بالوقوف على كلامي. وكلامه، فأقول:
اعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل إلى وزن آخر أكثر منه فلا بدّ من أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أوّلا؛ لأن الألفاظ أدلّة على المعاني، وأمثلة للإبانة عنها، فإذا زيد في الألفاظ أوجبت القسمة زيادة المعاني، وهذا لا نزاع فيه، لبيانه، وهذا النوع لا يستعمل إلا في مقام المبالغة.
فمن ذلك قولهم: خشن واخشوشن، فمعنى خشن دون معنى اخشوشن؛ لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو نحو فعل وافعوعل، وكذلك قولهم: أعشب المكان، فإذا رأوا كثرة العشب قالوا: اعشوشب.
ومما ينتظم بهذا السلك قدر واقتدر، فمعنى اقتدر أقوى من معنى قدر قال الله تعالى: فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر
فمقتدر ههنا أبلغ من قادر، وإنما عدل إليه للدلالة على تفخيم الأمر وشدة الأخذ الذي لا يصدر إلا عن قوّة الغضب، أو للدلالة على بسطة القدرة، فإن المقتدر أبلغ في البسطة من القادر، وذاك أن مقتدرا اسم فاعل من اقتدر، وقادر اسم فاعل من قدر، ولا شك أن افتعل أبلغ من فعل.
على هذا ورد قول أبي نواس:
فعفوت عنّي عفو مقتدر ... حلّت له نقم فألفاها
أي: عفوت عني عفو قادر متمكن القدرة لا يردّه شيء عن إمضاء قدرته؛ وأمثال هذا كثيرة.