وكثيرا ما يرد مثل ذلك ويشكل؛ لتجاذبه بين الكناية والاستعارة، على أنه لا يشكل إلا على غير العارف.
[وأما التعريض:]
فهو اللفظ الدال على الشيء من طريق المفهوم، لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي، فإنك إذا قلت لمن تتوقع صلته ومعروفه بغير طلب: والله إني لمحتاج وليس في يدي شيء وأنا عريان والبرد قد آذاني؛ فإن هذا وأشباهه تعريض بالطلب، وليس هذا اللفظ موضوعا في مقابلة الطلب، لا حقيقة ولا مجازا، إنما دلّ عليه من طريق المفهوم، بخلاف دلالة اللمس على الجماع، وعليه ورد التعريض في خطبة النكاح، كقولك للمرأة: إنّك لخليّة وإني لعزب؛ فإن هذا وأمثاله لا يدلّ على طلب النكاح حقيقة ولا مجازا، والتعريض أخفي من الكناية؛ لأن دلالة الكناية لفظية وضعية من جهة المجاز، ودلالة التعريض من جهة المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي، وإنما سمي التعريض تعريضا لأن المعنى فيه يفهم من عرضه: أي من جانبه، وعرض كل شيء: جانبه.
واعلم أن الكناية تشمل اللفظ المفرد والمركب معا؛ فتأتي على هذا تارة، وعلى هذا أخرى، وأما التعريض فإنه يختص باللفظ المركب، ولا يأتي في اللفظ المفرد ألبتة، والدليل على ذلك أنه لا يفهم المعنى فيه من جهة الحقيقة ولا من جهة المجاز، وإنما يفهم من جهة التّلويح والإشارة، وذلك لا يستقل به اللفظ المفرد، ولكنه يحتاج في الدلالة عليه إلى اللفظ المركب، وعلى هذا فإن بيت امريء القيس «١» الذي ذكره ابن سنان مثالا للكناية هو مثال للتعريض؛ فإن غرض امريء القيس من ذلك أن يذكر الجماع، غير أنه لم يذكره، بل ذكر كلاما آخر يفهم الجماع من عرضه؛ لأن المصير إلى الحسنى ورقة الكلام لا يفهم منهما ما أراده امرؤ القيس من المعنى لا حقيقة ولا مجازا، وهذا لا خفاء به فاعرفه.