وكذلك الكناية، فإنها لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المكنى عنه، ونسبتها إلى الاستعارة نسبة خاص إلى عام؛ فيقال: كل كناية استعارة، وليس كل استعارة كناية، ويفرق بينهما من وجه آخر، وهو أن الاستعارة لفظها صريح والصريح هو: ما دل عليه ظاهر لفظه، والكناية: ضد الصريح؛ لأنها عدول عن ظاهر اللفظ، وهذه ثلاثة فروق: أحدهما: الخصوص والعموم، والآخر الصريح، والآخر الحمل على جانب الحقيقة والمجاز.
وقد تقدم القول في باب الاستعارة أنها جزء من المجاز، وعلى ذلك فتكون نسبته الكناية إلى المجاز نسبة جزء الجزء وخاص الخاص.
وكان ينبغي أن نذكر الكناية عند ذكر الاستعارة في النوع الأول من هذه الأنواع المذكورة في المقالة الثانية، وإنما أفردتها بالذكر ههنا من أجل التعريض؛ لأن من العادة أن يذكرا جميعا في مكان واحد.
وقد يأتي في الكلام ما يجوز أن يكون كناية ويجوز أن يكون استعارة، وذلك يختلف باختلاف النظر إليه بمفرده والنظر إلى ما بعده، كقول نصر بن سيار في أبياته المشهورة التي يحرض بها بني أمية عند خروج أبي مسلم:
أرى خلل الرّماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام
فإنّ النّار بالزّندين تورى ... وإنّ الحرب أوّلها كلام
أقول من التّعجّب: ليت شعري ... أأيقاظ أميّة أم نيام
فإن هبّوا فذاك بقاء ملك ... وإن رقدوا فإنّي لا ألام
فالبيت الأول لو ورد بمفرده كان كناية؛ لأنه يجوز حمله على جانب الحقيقة وحمله على جانب المجاز: أما الحقيقة فإنه أخبر أنه رأى وميض جمر في خلل الرماد، وأنه سيضطرم، وأما المجاز فإنه أراد أن هناك ابتداء شرّ كامن ومثله بوميض جمر من خلل الرماد، وإذا نظرنا إلى الأبيات جملتها اختصّ البيت الأول منها بالاستعارة دون الكناية.