بأطراف الأحاديث» ؟ فإن في ذلك وحيا خفيّا، ورمزا حلوا، ألا ترى أنه قد يريد بأطرافها ما يتعاطاه المحبون ويتفاوضه ذوو الصبابة من التعريض والتلويح والإيماء دون التصريح، وذلك أحلى وأطيب، وأغزل وأنسب، من أن يكون كشفا ومصارحة وجهرا، وإن كان الأمر كذلك فمعنى هذين البيتين أعلى عندهم، وأشد تقدما في نفوسهم، من لفظهما، وإن عذب ولذ مستمعه، نعم في قول الشاعر:
وسالت بأعناق المطيّ الأباطح
من لطافة المعنى وحسنه ما لا خفاء به، وسأنبه على ذلك فأقول: إن هؤلاء القوم لما تحدّثوا وهم سائرون على المطايا شغلتهم لذة الحديث عن إمساك الأزمّة فاسترخت عن أيديهم، وكذلك شأن من يشره وتغلبه الشهوة في أمر من الأمور، ولما كان الأمر كذلك وارتخت الأزمّة عن الأيدي أسرعت المطايا في المسير، فشبهت أعناقها بمرور السيل على وجه الأرض في سرعته، وهذا موضع كريم حسن لا مزيد على حسنه، والذي لا ينعم نظره فيه لا يعلم ما اشتمل عليه من المعنى، فالعرب إنما تحسّن ألفاظها وتزخرفها عناية منها بالمعاني التي تحتها، فالألفاظ إذا خدم المعاني، والمخدوم لا شك أشرف من الخادم، فاعرف ذلك وقس عليه.
[النوع الأول في الاستعارة]
ولنقدم قبل الكلام في هذا الموضع قولا جامعا، فنقول: اعلم أن للفصاحة والبلاغة أوصافا خاصة، وأوصافا عامة؛ فالخاصة كالتجنيس فيما يرجع إلى اللفظ، وكالمطابقة فيما يرجع إلى المعنى، وأما العامة فكالسّجع فيما يرجع إلى اللفظ، وكالاستعارة فيما يرجع إلى المعنى، وهذا الموضع الذي نحن بصدد ذكره- وهو الاستعارة- كثير الإشكال، غامض الخفاء.
وسأورد في كتابي هذا ما استخرجته، ولم أسمع فيه قولا لغيري، وكنت قدمت القول في الفصل السابع من مقدّمة الكتاب فيما يختص بإثبات المجاز، والرد