الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلّم.
أمّا بعد؛ فإنّ بي من حبّ العربيّة والشغف بها ما يدفعني إلى احتمال المصاعب والرّضا بركوب المخاطر والأهوال، وبذل النفيسين الوقت والراحة.
وإني لأجد من السرور بهذا ما لا يبلغ معشاره غريب ألقى بين أهله عصا الترحال، أو محبّ لقي حبيبه بعد طول افتراق، وواصله بعد طول تجنّ وجهود.
وقد أخذت على عاتقي أن أقوم لهذه اللغة بما يسعه جهدي من خدمة، فلم أجد أنبل مقصدا، ولا أسمى غرضا، ولا أقرب عند الله قبولا؛ من أن أتوفّر على كتب أسلافنا من علماء هذه اللغة، فأحققها وأحاول ردّها إلى الصورة التي خرجت عليها من أيدي مؤلّفيها قبل أن يصيبها تحريف النسّاخ وتصحيف الناشرين، أو مسحهم.
وأردت أن أجمع بذلك بين خلال أربع:
أولاها: أن أبتعد عن الغرور بالنفس والتفاخر بالتأليف.
وثانيتها: أن أظهر شباب هذه الأمة على تراثنا الذي ورثناه عن آباء لنا كانوا قادة العالم وأهل الرأي فيه يوم كان الناس كلهم يتيهون في بيداوات الجهالة ويعيشون عيش السائمة والأنعام، وأنا أعلم أنّ شبابنا اليوم ليس لهم الصبر والجلد على قراءة هذه الذخائر في منظرها الذي يختاره لهم الورّاقون وتجار الكتب، وأن من حسن الرأي أن نضع بين أيديهم كتبا بهيجة المنظر بديعة الرّواية؛ ليقلبوا عليها، وينتفعوا بما فيها من علم.