ألا ترى أنه لما عطف ههنا بالواو لم تتراكب الألفاظ كتراكبها في بيت أبي الطيب المتقدم ذكره.
فإن قيل: إنك جعلت ما كان واردا على صيغة واحدة على سبيل التكرار معاظلة، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم، كقوله تعالى:«فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد»
ولو كان معاظلة لما ورد في القرآن الكريم مثله.
فالجواب عن ذلك أني أقول: هذه الآية ليست كالذي أنكرته؛ فإن هذا الموضع ينظر فيه إلى الكثير والقليل، فإذا كثر كان تعاظلا؛ لتراكبه وثقله على النطق، وقد عرّفتك أن ما يفصل بين صيغه بواو العطف يكون أقل ثقلا مما لا يفصل، والذي أنكرته من ذلك هو أن تأتي ألفاظ مكررة على صيغة واحدة كأنها عقد متصلة، فحينئذ يثقل المنطق بها، ويكره موقعها من السمع، كبيت أبي الطيب المتنبي، وأما هذه الآية المشار إليها فإنها خارجة عن هذا الحكم، ألا ترى أنها لما وردت ألفاظها على صيغة واحدة فرق بينها بواو العطف، ثم مع التفريق بينها بواو العطف لم يرد التكرير فيها إلا بين ثنتين، وهما «خذوهم واحصروهم»
، وأما الصيغة الأولى فإنها أضيف إليها كلام آخر، فقيل:«اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم»
ولم يقل اقتلوا المشركين وخذوهم، ثم لما جاءت الصيغة الرابعة أضيف إليها كلام آخر أيضا فقيل:«واقعدوا لهم كل مرصد»
لا جرم أن الآية جاءت غير ثقيلة على النطق مع توارد صيغة الأمر فيها أربع مرار، وهذه رموز ينبغي أن يتنبه لها في استعمال الألفاظ إذا جاءت هكذا.
[القسم الرابع من المعاظلة:]
وهو الذي يتضمن مضافات كثيرة، كقولهم:
سرج فرس غلام زيد، وإن زيد على ذلك قيل: لبد سرج فرس غلام زيد، وهذا أشد قبحا وأثقل على اللسان، وعليه ورد قول ابن بابك الشاعر في مفتتح قصيدة له: