اعلم أن جماعة علماء البيان يفصلون الاشتقاق عن التجنيس، وليس الأمر كذلك، بل التجنيس أمر عام لهذين النوعين من الكلام، وذاك أن التجنيس في أصل الوضع من قولهم: جانس الشيء الشيء؛ إذا ماثله وشابهه، ولما كانت الحال كذلك ووجدنا من الألفاظ ما يتماثل ويتشابه في صيغته وبنائه علمنا أن ذلك يطلق عليه اسم التجنيس، وكذلك لما وجدنا من المعاني ما يتماثل ويتشابه علمنا أن ذلك يطلق عليه اسم التجنيس أيضا؛ فالتجنيس إذن ينقسم قسمين: أحدهما تجنيس في اللفظ، والآخر تجنيس في المعنى؛ فأما الذي يتعلق باللفظ فإنه لم ينقل عن بابه ولا غير اسمه، وقد تقدم ذكره في باب الصناعة اللفظية، وأما الذي يتعلق بالمعنى فإنه نقل عن بابه في التجنيس، وسمي الاشتقاق: أي أحد المعنيين مشتق من الآخر.
وهو على ضربين: صغير، وكبير.
فالصغير: أن تأخذ أصلا من الأصول فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صيغه ومبانيه، كترتيب س ل م؛ فإنك تأخذ منه معنى السلامة في تصرفه؛ نحو سلم وسالم وسلمان وسلمى، والسّليم اللديغ أطلق عليه ذلك تفاؤلا بالسلامة.
والأصل في ذلك أن يضع واضع اللغة اسما أولا لمسمى أول، ثم يجد مسمى آخر أو مسميات شبيهة بالمسمى الأول فيضع لها اسما كالاسم الأول، كقوله ضرير اسم للأعمى، والضر: ضد النفع، والضّرّاء: الشدة من الأمر، والضر- بالضم-: الهزال وسوء الحال، والضرر: الضيق، والضّرّة: إحدى الزوجتين؛ فإن هذه المسميات كلها تدلّ على الأذى والشر، وأسماؤها متشابهة لم تخرج عن الضاد والراء، إلا أنا الآن لا نعلم ما هو الأول منها حتى نحكم على الثاني أنه مشتق منه،