[النوع الحادي عشر في الخطاب بالجملة الفعلية والجملة الاسمية والفرق بينهما]
ولم أذكر هذا الموضع لأن يجري الأمر فيه على ما يجري مجراه فقط، بل لأن يقاس عليه مواضع أخرى مما تماثله وتشابهه، ولو كان شبها بعيدا.
وإنما يعدل عن أحد الخطابين إلى الآخر لضرب التأكيد والمبالغة.
فمن ذلك قولنا: قام زيد وإنّ زيدا قائم، فقولنا «قام زيد» معناه الإخبار عن زيد بالقيام، وقولنا «إن زيدا قائم» معناه الإخبار عن زيد بالقيام أيضا، إلا أن في الثاني زيادة ليست في الأول، وهي توكيده بإنّ المشددة التي من شأنها الإثبات لما يأتي بعدها، وإذا زيد في خبرها اللام فقيل: إنّ زيدا لقائم؛ كان ذلك أكثر توكيدا في الإخبار بقيامه، وهذا مثال ينبني عليه أمثلة كثيرة من غير هذا النوع.
فمما جاء من ذلك قوله تعالى: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم
فإنهم إنما خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وشياطينهم بالجملة الاسمية المحققة بإنّ المشددة لأنهم في مخاطبة إخوانهم بما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اعتقاد الكفر والبعد من أن يزلوا عنه على صدق ورغبة ووفور نشاط، فكان ذلك متقبّلا منهم، ورائجا عند إخوانهم؛ وأما الذي خاطبوا به المؤمنين، فإنما قالوا تكلفا وإظهارا للإيمان خوفا ومداجاة، وكانوا يعلمون أنهم لو قالوه بأوكد لفظ وأسدّه لما راج لهم عند المؤمنين إلا رواجا ظاهرا لا باطنا، ولأنهم ليس لهم في عقائدهم باعث قوي على النطق في خطاب المؤمنين بمثل ما خاطبوا به إخوانهم من العبارة المؤكدة؛ فلذلك قالوا في خطاب المؤمنين آمنا
وفي خطاب إخوانهم إنا معكم
وهذه نكت تخفى على من ليس له قدم راسخة في علم الفصاحة والبلاغة.