الفعل التام المتصرف، على هذا الشرط أيضا، وإما من حرف النداء مع الاسم؛ فهذا هو المفيد عند النحاة، وأنا لم أقصد ذلك ههنا، بل مقصودي من المفيد أن يأتي لمعنى، وغير المفيد أن يأتي لغير معنى.
واعلم أن المفيد من التكرير يأتي في الكلام تأكيدا له، وتشييدا من أمره، وإنما يفعل ذلك للدلالة على العناية بالشيء الذي كررت فيه كلامك؛ إما مبالغة في مدحه أو في ذمه، أو غير ذلك، ولا يأتي إلا في أحد طرفي الشيء المقصود بالذكر، والوسط عار منه؛ لأن أحد الطرفين هو المقصود بالمبالغة إما بمدح أو ذم أو غيرهما، والوسط ليس من شرط المبالغة؛ وغير المفيد لا يأتي في الكلام إلا عيّا وخطلا من غير حاجة إليه.
فأما الأوّل- وهو الذي يوجد في اللفظ والمعنى-
فإنه ينقسم الى ضربين:
مفيد، وغير مفيد.
[فالأول المفيد وهو فرعان:]
الأول: إذا كان التكرير في اللفظ والمعنى يدلّ على معنى واحد، والمقصود به غرضان مختلفان،
كقوله تعالى: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
هذا تكرير في اللفظ والمعنى، وهو قوله: يحق الحق
وليحق الحق
، إنما جيء به ههنا لاختلاف المراد، وذاك أن الأول تمييز بين الإرادتين، والثاني بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها، وأنه ما نصرهم وخذل أولئك إلا لهذا الغرض.
ومن هذا الباب قوله تعالى: قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين. قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.
قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه
فكرر قوله تعالى: قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين
وقوله: قل الله أعبد مخلصا له ديني
والمراد به غرضان مختلفان، وذلك أن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالعبادة