والإخلاص في دينه، والثاني إخبار بأنه يخصّ الله وحده دون غيره بعبادته مخلصا له دينه؛ ولدلالته على ذلك قدّم المعبود على فعل العبادة في الثاني، وأخّره في الأول؛ لأن الكلام أولا واقع في الفعل نفسه وإيجاده، وثانيا فيمن يفعل من أجله، ولذلك رتب عليه فاعبدوا ما شئتم من دونه.
وعليه ورد قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله
وظاهر الأول والثاني أنهما سواء في المعنى، وليس كذلك؛ لأن الثاني فيه تخصيص غير موجود في الأول، ألا ترى أنا إذا قلنا: زيد الأفضل، وقلنا: الأفضل زيد، كان في الثاني تخصيص له بالفضل، وهذا التخصيص لا يوجد في القول الأول الذي هو زيد الأفضل، ويجوز أن تبدل صفة الفضل فيه بغيرها أو بضدها؛ فيقال: زيد الأجمل، أو زيد الأنقص، وإذا قلنا: الأفضل زيد، وجب تخصيصه بالفضل، ولم يمكن تغييره عنه، وكذلك يجري الحكم في هذه الآية؛ فإن الله تعالى قال: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله
، ثم قال: لم يذهبوا حتى يستأذنوه
فوصفهم بالامتناع عن الذهاب إلا بإذنه، وهذه صفة يجوز أن تبدل بغيرها من الصفات، كما قال تعالى في موضع آخر: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا
فجاء بصفة غير تلك الصفة، ولما قال:
إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله
وجب تخصيصهم بذلك الوصف دون غيره، وهذا موضع حسن في تكرير المعاني.
ومما يعدّ من هذا الباب قوله تعالى: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون.
ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين
وقد ظن قوم أن هذه الآية تكرير لا فائدة فيه، وليس الأمر كذلك؛ فإن معنى قوله لا أعبد
يعني في المستقبل: من عبادة آلهتكم، وإلا أنتم فاعلون فيه ما أطلبه منكم من عبادة إلهي، ولا أنا عابد ما عبدتم
أي: وما كنت عابدا قط فيما سلف ما عبدتم فيه، يعني أنه لم يعهد مني عبادة صنم في الجاهلية في وقت