للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مّا فكيف يرجى ذلك مني في الإسلام؟ ولا أنتم عابدون

في الماضي في وقت مّا ما أنا على عبادته الآن.

ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين

فكرر الرحمن الرحيم

مرتين والفائدة في ذلك أن الأول يتعلق بأمر الدنيا، والثاني يتعلق بأمر الآخرة؛ فما يتعلق بأمر الدنيا يرجع إلى خلق العالمين في كونه خلق كلّا منهم على أكمل صفة، وأعطاه جميع ما يحتاج إليه، حتى البقة والذباب، وقد يرجع إلى غير الخلق كإدرار الأرزاق وغيرها، وأما ما يتعلق بأمر الآخرة فهو إشارة إلى الرحمة الثانية في يوم القيامة الذي هو يوم الدين.

وبالجملة فاعلم أنه ليس في القرآن مكرر لا فائدة في تكريره؛ فإن رأيت شيئا منه تكرر من حيث الظاهر فأنعم نظرك فيه؛ فانظر إلى سوابقه ولواحقه؛ لتنكشف لك الفائدة منه.

ومما ورد في القرآن الكريم مكررا قوله تعالى: كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون

[فكرر قوله: فاتقوا الله وأطيعون

] ليؤكده عندهم ويقرره في نفوسهم، مع تعليق كل واحد منهما لعلة؛ فجعل الأول كونه أمينا فيما بينهم، وجعل علة الثاني حسم طمعه عنهم، وخلوّه من الأغراض فيما يدعوهم أليه.

من هذا النحو قوله تعالى: كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب

وإنما كرر تكذيبهم ههنا لأنه لم يأت به على أسلوب واحد، بل تنوع فيه بضروب من الصنعة، فذكره أولا في الجملة الخبرية على وجه الإبهام، ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه بأن كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل؛ لأنهم إذا كذبوا واحدا منهم فقد كذبوا جميعهم، وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه والتنوع في تكريره بالجملة الخبرية أولا وبالاستثنائية ثانيا وما في الاستثناء من الوضع

<<  <  ج: ص:  >  >>