وإنّ الّذي بيني وبين بني أبي ... بين بني عمّي لمختلف جدّا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيّعوا غيبي حفظت غيوبهم ... وإن هم هووا غيّ هويت لهم رشدا
فهذا من الخاص والعام؛ فإن كل لحم يؤكل للإنسان فهو تضييع لغيبه، وليس كل تضييع لغيبه أكلا للحمه، ألا ترى أن أكل اللحم هو كناية عن الاغتياب، وأما تضييع الغيب فمنه الاغتياب ومنه التخلي عن النصرة والإعانة ومنه إهمال السعي في كل ما يعود بالنفع كائنا ما كان، وعلى هذا فإن هذين البيتين من الخاص والعام المشار إليه في الآية المقدم ذكرها، وهو موضع يرد في الكلام البليغ ويظن أنه لا فائدة فيه.
[الفرع الثاني:]
إذا كان التكرير في المعنى يدل على معنى واحد لا غير، وقد سبق مثال ذلك في أول هذا الباب، كقولك: أطعني ولا تعصني؛ فإن الأمر بالطاعة نهي عن المعصية، والفائدة في ذلك تثبيت الطاعة في نفس المخاطب.
والكلام في هذا الموضع كالكلام في الموضع الذي قبله من تكرير اللفظ والمعنى إذا كان الغرض به شيئا واحدا، ولا نجد شيئا من ذلك يأتي في الكلام إلا لتأكيد الغرض المقصود به؛ كقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم
فإنه إنما كرّر العفو والصفح والمغفرة، والجميع بمعنى واحد؛ للزيادة في تحسين عفو الوالد عن ولده والزوج عن زوجته، وهذا وأمثاله ينظر في الغرض المقصود به، وهو موضع يكون التكرير فيه أوجز من لمحة الإيجاز وأولى بالاستعمال.
وقد ورد في القرآن الكريم كثيرا، كقوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام:
إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون
فإن البثّ والحزن بمعنى واحد، وإنما ههنا لشدة الخطب النازل به، وتكاثر سهامه النافذة في قلبه، وهذا المعنى كالذي قبله.
وكذلك ورد قوله تعالى: تلك عشرة كاملة
بعد ثلاثة وسبعة تنوب مناب قوله ثلاثة وسبعة مرتين لأن عشرة هي ثلاثة وسبعة، ثم قال (كاملة) وذلك توكيد