وليس بشيء؛ لأن المعنى لا يصح به، وكنت سئلت عن معناه، وقيل: كيف ينطبق عجز البيت على صدره، وإذا تجنب الآثام وخافها فكيف تكون حسناته آثاما؟
فأفكرت فيه وأنعمت نظري فسنح لي في القرآن الكريم آية مثله، وهي قوله تعالى:
والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة
وفي صدر البيت إضمار فسّر في عجزه، وتقديره أنه يتجنب الآثام فيكون قد أتى بحسنة، ثم يخاف تلك الحسنة، فكأنما حسناته آثام، وهو على طباق الآية سواء.
ومن الإضمار على شريطة التفسير قول أبي نواس:
سنّة العشّاق واحدة ... فإذا أحببت فاستكن
فحذف لفظ الاستكانة من الأول، وذكره في الثاني: أي سنة العشاق واحدة، وهي الاستكانة، فإذا أحببت فاستكن، ومن الناس من يقول:«فإذا أحببت فاستنن» وهذا لا معنى له؛ لأنه إذا لم يبين سنة العشاق ما هي فبأي شيء يستنّ المستنّ منها؛ لكنه ذكر السنة في صدر البيت من غير بيان ثم بينها في عجزه.
[الضرب الرابع:]
ما ليس بسبب ولا مسبب، ولا إضمار على شريطة التفسير، ولا استئناف.
فأما ما حذف فيه من الجمل المفيدة، فكقوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام: قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون.
ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. وقال الملك ائتوني به
قد حذف من هذا الكلام جملة مفيدة، تقديرها: فرجع الرسول إليهم فأخبرهم بمقالة يوسف، فعجبوا لها، أو فصدقوه عليها، وقال الملك ائتوني به، والمحذوف إذا كان كذلك دلّ عليه الكلام دلالة ظاهرة؛ لأنه إذا ثبتت حاشيتا الكلام وحذف وسطه ظهر المحذوف؛ دلالة الحاشيتين عليه.
وكذلك ورد قوله تعالى في هذه السورة أيضا: فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا. قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون. قالوا يا أبانا