وجودها، ولو لم يقلها أبو الطيب لوقاه الله شرها، فإنها هي التي ألبسته لباس الملام، وجعلت عرضه شارة لسهام الأقوام.
ولسائل ههنا أن يسأل ويقول: لم عدلت إلى شعر هؤلاء الثلاثة دون غيرهم؟
فأقول: إني لم أعدل إليهم اتفاقا، وإنما عدلت إليهم نظرا واجتهادا، وذلك أني وقفت على أشعار الشعراء قديمها وحديثها حتى لم أترك ديوانا لشاعر مفلق يثبت شعره على المحل إلا وعرضته على نظري، فلم أجد أجمع من ديوان أبي تمام وأبي الطيب للمعاني الدقيقة، ولا أكثر استخراجا منهما للطيف الأغراض والمقاصد، ولم أجد أحسن تهذيبا للألفاظ من أبي عبادة، ولا أنقش ديباجة، ولا أبهج سبكا، فاخترت حينئذ دواوينهم، لاشتمالها على محاسن الطرفين من المعاني والألفاظ، ولما حفظتها ألغيت ما سواها مع ما بقي على خاطري من غيرها.
وقد أوردت في هذا الموضع من السرقات الشعرية ما لم يورده غيري، ونبهت على غوامض منها.
وكنت قدمت القول أني قسمتها ألى خمسة أقسام؛ منها الثلاثة الأول، وهي:
النسخ، والسلخ، والمسخ، ومنها القسمان الآخران، وها أنا أبين ما تنقسم إليه هذه الأقسام من تشعبها وتفريعها؛ فأقول:
[فأما النسخ]
فإنه لا يكون إلا في أخذ المعنى واللفظ جميعا، أو في أخذ المعنى وأكثر اللفظ؛ لأنه مأخوذ من نسخ الكتاب، وعلى ذلك فإنه ضربان:
[الأول: يسمى وقوع الحافر على الحافر،]
كقول امريء القيس «١» :
وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتحمّل