وأما غيره من أرباب هذه الصناعة فإنهم سمّوا هذا الضرب من الكلام مطابقا لغير اشتقاق ولا مناسبة بينه وبين مسماه، هذا الظاهر لنا من هذا القول، إلا أن يكونوا قد علموا لذلك مناسبة لطيفة لم نعلمها نحن.
ولنرجع إلى ذكر هذا القسم من التأليف وإيضاح حقيقته؛ فنقول:
الأليق من حيث المعنى أن يسمى هذا النوع المقابلة؛ لأنه لا يخلو الحال فيه من وجهين: إما أن يقابل الشيء بضده، أو يقابل بما ليس بضده، وليس لنا وجه ثالث.
فأما الأول- وهو مقابلة الشيء بضده،
كالسواد والبياض، وما جرى مجراهما- فإنه ينقسم قسمين: أحدهما مقابلة في اللفظ والمعنى، والآخر مقابلة في المعنى دون اللفظ.
أما المقابلة في اللفظ والمعنى فكقوله تعالى: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا
؛ فقابل بين الضحك والبكاء والقليل والكثير، وكذلك قوله تعالى: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم
؛ وهذا من أحسن ما يجيء في هذا الباب، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«خير المال عين ساهرة لعين نائمة» .
ومن الحسن المطبوع الذي ليس بمتكلف قول علي رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه: إن الحق ثقيل مرىء والباطل خفيف وبيء، وأنت رجل إن صدقت سخطت، وإن كذبت رضيت؛ فقابل الحق بالباطل، والثقيل المريء بالخفيف الوبيء، والصدق بالكذب، والسخط بالرضا. وهذه خمس مقابلات في هذه الكلمات القصار.
وكذلك ورد قوله رضي الله عنه لما قال الخوارج: لا حكم إلا لله تعالى: هذه كلمة حقّ أريد بها باطل.
وقال الحجاج بن يوسف لسعيد بن جبير رضي الله عنه وقد أحضره بين يديه ليقتله، فقال له: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير، قال: بل أنت شقي بن كسير،