وقد كان الحجاج من الفصحاء المعدودين، وفي كلامه هذا مطابقة حسنة؛ فإنه نقل الاسمين إلى ضدهما، فقال في سعيد: شقي، وفي جبير: كسير وهذا النوع من الكلام لم تختص به اللغة العربية دون غيرها من اللغات.
ومما وجدته في لغة الفرس أنه لما مات قباذ أحد ملوكهم قال وزيره: حرّكنا بسكونه.
وأول كتاب الفصول لأبقراط في الطب قوله: العمر قصير، والصناعة طويلة.
وهذا الكتاب على لغة اليونان.
ومن كلامي في هذا الباب ما كتبته في صدر مكتوب إلى بعض الإخوان، وهو: صدر هذا الكتاب عن قلب مقيم وجسد سائر، وصبر مليم وجزع عاذر، وخاطر أدهشته لوعة الفراق فليس بخاطر.
وكذلك كتبت إلى بعض الإخوان أيضا، فقلت: صدر هذا الكتاب عن قلب مأنوس بلقائه، وطرف مستوحش لفراقه، فهذا مروّع بكآبة إظلامه، وهذا ممتنع ببهجة إشراقه، غير أن لقاء القلوب لقاء عنيت بمثله خواطر الأفكار، وتتناجى به من وراء الأستار، وذلك أخو الطّيف الملمّ في المنام، الذي يموّه بلقاء الأرواح على لقاء الأجسام.
ومن هذا النوع ما ذكرته في كتاب أصف المسير من دمشق إلى الموصل على طريق المناظر، فقلت من جملته: ثم نزلت أرض الخابور فغرّبت الأرواح وشرّقت الجسوم، وحصل الإعدام من المسار والإنزال من الهموم، وطالبتني النفس بالعود والقدرة مفلسة، وأويت إلى ظل الآمال والآمال مشمسة.
ومن ذلك ما ذكرته في جملة كتاب إلى بعض الإخوان، وعرضت فيه بذكر جماعة من أهل الأدب، فقلت: وهم مسئولون ألّا ينسوني في نادي فضلهم الذي هو منبع الآمال، وملتقط اللآل، فوجوه ألفاظه مشرقة بأيدي الأقلام المتسودة، وقلوب معانيه مستنبطة بنار الخواطر المتوقدة، والواغل إليه يسكر من خمرته التي تنبه العقول من إغفائها، ولا يشربها أحد غير أكفائها.