للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللفظ، كقوله تعالى: «إن ربك لبالمرصاد»

فتفسيره من الرّصد، يقال: رصدته؛ إذا رقبته، وتأويله تحذير العباد من تعدّي حدود الله ومخالفة أوامره، والذي عندي في ذلك أنه أصاب في الآخر، ولم يصب في الأول؛ لأن قوله: «التفسير بيان وضع اللفظ حقيقة» لا مستند لجوازه، بل التفسير يطلق على بيان وضع اللفظ حقيقة ومجازا؛ لأنه من الفسر، وهو الكشف، كتفسير الرصد في الآية المشار إليها بالرّقبة وتفسيره بالتحذير من تعدّي حدود الله ومخالفة أوامره. وأما التأويل فإنه أحد قسمي التفسير، وذاك أنه رجوع عن ظاهر اللفظ، وهو مشتق من الأوّل، وهو الرجوع، يقال: آل يؤل، إذا رجع، وعلى هذا فإن التأويل خاص والتفسير عام؛ فكل تأويل تفسير، وليس كل تفسير تأويلا، ولهذا يقال: تفسير القرآن، ومن تفسيره ظاهر وباطن، وهذا الفصل الذي نحن بصدد ذكره ههنا يرجع أكثره إلى التأويل؛ لأنه أدق.

ولا يخلو تأويل المعنى من ثلاثة أقسام: إما أن يفهم منه شيء واحد لا يحتمل غيره، وإما أن يفهم منه الشيء وغيره، وتلك الغيرية: إما أن تكون ضدا، أو لا تكون ضدا، وليس لنا قسم رابع.

فالأوّل: يقع عليه أكثر الأشعار، ولا يجري في الدقة واللطافة مجرى القسمين الآخرين.

وأما القسم الثاني: فإنه قليل الوقوع جدا، وهو من أظرف التأويلات المعنوية؛ لأن دلالة اللفظ على المعنى وضده أغرب من دلالته على المعنى وغيره مما ليس بضده، فمما جاء منه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام» ؛ فهذا الحديث يستخرج منه معنيان ضدان: أحدهما: أن المسجد الحرام أفضل من مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والآخر: أن مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل من المسجد الحرام: أي أن صلاة واحدة فيه لا تفضل ألف صلاة في المسجد الحرام، بل تفضل ما دونها، بخلاف المساجد الباقية فإن ألف صلاة فيها تقصر عن صلاة واحدة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>