وتخويف، كما أن ذاك مقام إنكار وتعظيم، ألا ترى إلى هذه الآية بكمالها وهي قوله تعالى: قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون
ولذكر لفظة فوقهم
فائدة لا توجد مع إسقاطها من هذا الكلام، وأنت تحسّ هذا من نفسك؛ فإنك إذا تلوت هذه الآية يخيّل اليك أن سقفا خرّ على أولئك من فوقهم، وحصل في نفسك من الرعب ما لا يحصل مع إسقاط تلك اللفظة.
وفي القرآن الكريم من هذا النوع كثير؛ كقوله تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة
وقوله: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى
وكل هذه الآيات إنما أطنب فيها بالتأكيد لمعان اقتضتها؛ فإن النفخ في الصور الذي تقوم به الأموات من القبور مهول عظيم دلّ على القدرة الباهرة، وكذلك حمل الأرض والجبال، فلما كانا بهذه الصفة قيل فيهما: نفخة واحدة
ودكة واحدة
أي: أن هذا الأمر المهول العظيم سهل يسير على الله تعالى يفعل ويمضي الأمر فيه بنفخة واحدة ودكة واحدة، ولا يحتاج فيه الى طول مدة ولا كلفة مشقة، فجيء بذكر الواحدة لتأكيد الإعلام بأن ذلك هين سهل على عظمه.
وهذه المواضع وأمثالها ترد في القرآن الكريم ويتوهم بعض الناس أنها ترد لغير فائدة اقتضتها، وليس الأمر كذلك؛ فإن هذه الأسرار البلاغية لا يتنبه لها إلا العارفون بها، وهكذا يرد ما يرد منها في كلام العرب.
وههنا نكتة لا بد من الإشارة إليها؛ وذاك أني نظرت في قوله تعالى: نفخة واحدة
ودكة واحدة
وفي قوله تعالى: ومناة الثالثة الأخرى
فوجدت ذلك غير مقيس على ما تقدم، وسأبينه ببيان شاف؛ فأقول: إن قوله تعالى: ومناة الثالثة الأخرى
إنما جيء به لتوازن الفقر التي نظمت السورة كلها عليها، وهي:
والنجم إذا هوى
ولو قيل: أفرأيتم اللات والعزى ومناة
ولم يقل الثالثة الأخرى لكان الكلام عاريا عن الطلاوة والحسن، وكذلك لو قيل: ومناة الأخرى، من غير أن يقال الثالثة لأنه نقص في الفقرة الثانية عن الأولى، وذاك قبيح، وقد