تستعين بها على كشف الغمّاء، والاستكثار من سبايا العبيد والإماء، وجيشه أخو الجيش السليماني فذاك يسير على متن الريح وهذا على متن الماء، ومن صفات خيله أنها جمعت بين العوم والمطار، وتساوت أقدار خلقها على اختلاف مدة الأعمار؛ فإذا أشرعت قيل جبال متعلقة بقطع من الغيوم، وإذا نظر إلى أشكالها قيل إنها أهلة غير أنها تهتدي في مسيرها بالنجوم، ومثل هذه الخيل ينبغي أن يغالى في جيادها، ويستكثر من قيادها، وليؤمر عليها أمير يلقى البحر بمثله من سعة صدره، ويسلك طرقه سلوك من لم تقتله بجهلها ولكن قتلها بخبره، وكذلك فليكن ممن أفنت الأيام تجاربه وزحمتها مناكبه، وممن يذل الصعب إذا هو ساسه وإن لان جانبه، وهذا هو الرجل يرأس على القوم فلا يجد هزة بالرياسة، وإن كان في الساقة ففي الساقة أو كان في الحراسة ففي الحراسة، ولقد أفلحت عصابة اعتصبت من ورائه وأيقنت بالنصر من رايته كما أيقنت بالنصر من رأيه.
واعلم أنه قد أخل من الجهاد بركن يقدح في عمله، وهو تمامه الذي يأتي في آخره كما أن صدق النية تأتي في أوله، وذلك هو قسم الغنائم فإن الأيدي قد تداولته بالإجحاف، وخلطت جهادها فيه بغلوها فلم ترجع بالكفاف، والله قد جعل الظلم في تعدّي حدوده المحدودة، وجعل الاستئثار بالمغنم من أشراط الساعة الموعودة، ونحن نعوذ به أن يكون زماننا هذا زمانه وبأسه شرباس، ولم يستخلفنا على حفظ أركان دينه ثم نهمله إهمال مضيع ولا إهمال ناس، والذي نأمرك به أن تجري هذا الأمر المنصوص من حكمه، وتبرئ ذمتك مما يكون غيرك الفائز بفوائده وأنت المطالب بإثمه، وفي أرزاق المجاهدين بالديار المصرية والشامية ما يغنيهم عن هذه الأكلة التي تكون غدا أنكالا وجحيما، وطعاما ذا غصة وعذابا أليما.
فتصفح ما سطرنا لك في هذه الأساطير التي هي عزائم مبرمات، بل آيات محكمات، وتحبب إلى الله وإلى أمير المؤمنين باقتفاء كلماتها، وابن لك منها مجدا يبقى في عقبك إذا أصيبت البيوت في أعقابها، وهذا التقليد ينطق عليك بأنه لم يأل في الوصايا التي أوصاها، وأنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ثم إنه قد ختم بدعوات دعا بها أمير المؤمنين عند ختامه، وسأل فيها خيرة الله التي تتنزل من كل أمر بمنزلة نظامه، ثم قال: اللهم إني أشهدك على من قلدته شهادة تكون