أن تكون كلّم من الجرح: أي جرّح، ولها ثلاثي وهو كلم مخففا: أي جرح؛ فإذا وردت مخففة دلت على الجراحة مرة واحدة، وإذا وردت مثقلة دلت على التكثير.
وكذلك ورد قوله تعالى: ورتل القرآن ترتيلا
فإن لفظة «رتّل» على وزن لفظة قتّل، ومع هذا ليست دالة على كثرة القراءة، وإنما المراد بها أن تكون القراءة على هيئة التأني والتدبر، وسبب ذلك أن هذه اللفظة لا ثلاثي لها حتى تنقل عنه إلى رباعي، وإنما هي رباعية موضوعة لهذه الهيئة المخصوصة من القراءة؛ وعلى هذا فلا يستقيم معنى الكثرة والقوة في اللفظ والمعنى إلا بالنقل من وزن إلى وزن أعلى منه، فاعرف ذلك.
ومن ههنا شذ الصواب عمن شذ عنه في عالم وعليم؛ فإن جمهور علماء العربية يذهبون إلى أن عليما أبلغ في معنى العلم من عالم، وقد تأمّلت ذلك وأنعمت نظري فيه، فحصل عندي شك في الذي ذهبوا إليه، والذي أوجب ذلك الشك هو أنّ عالما وعليما على عدة واحدة؛ إذ كل منهما أربعة أحرف، وليس بينهما زيادة ينقل فيها الأدنى إلى الأعلى، والذي يوجبه النظر أن يكون الأمر على عكس ما ذكروه، وذاك أن يكون عالم أبلغ من عليم، وسببه أن عالما اسم فاعل من علم، وهو متعد، وأن عليما اسم فاعل من علم، إلا أنه أشبه وزن الفعل القاصر، نحو شرف فهو شريف، وكرم فهو كريم، وعظم فهو عظيم؛ فهذا الوزن لا يكون إلا في الفعل القاصر؛ فلما أشبهه عليم انحط عن رتبة عالم الذي هو متعد؛ ألا ترى أن فعل- بفتح الفاء وكسر العين- يكون متعديا نحو علم وحمد، ويكون قاصرا غير متعد نحو عضب وشبع، وأما فعل- بفتح الفاء وضم العين- فإنه لا يكون إلا قاصرا غير متعد، ولما كان فعل- بفتح الفاء وكسر العين- مترددا بين المتعدي والقاصر، وكان فعل- بفتح الفاء وضم العين- قاصرا غير متعد؛ صار القاصر أضعف مما يدور بين المتعدي والقاصر، وحيث كان الأمر كذلك، وأشبه وزن المتعدي وزن القاصر؛ حطّ ذلك من درجته، وجعله في الرتبة دون المتعدي الذي ليس بقاصر، هذا هو الذي أوجب لي التشكيك فيما ذهب إليه غيري من علماء العربية، ولربما كان ما ذهبوا إليه لأمر خفي عني ولم أطلع عليه.