للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقيم المصدر مقامه، وفي ذلك اختصار مع إعطاء معنى التوكيد المصدري.

وأما حذف جواب الفعل فإنه لا يكون في الأمر المحتوم، كقوله تعالى:

فذرهم يخوضوا ويلعبوا*

فجزم يخوضوا ويلعبوا لأنهما جواب أمر فذرهم

وحذف الجواب في هذا لا يدخل في باب الإيجاز؛ لأنا إذا قلنا ذرهم أي اتركهم لا يحتاج ذلك إلى جواب، وكذلك ما يجري مجراه، وإنما يكون الجواب بالفاء في ماض، كقولنا: قلت له اذهب فذهب، وحينئذ يظهر الجواب المحذوف، كقوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا. فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا

ألا ترى كيف حذف جواب الأمر في هذه الآية؛ فإن تقديره فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم تدميرا، فذكر حاشيتي القصة أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة بطولها، أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.

ومن هذا الضرب أيضا قوله تعالى: قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون. أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون. قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون. قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون. فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب

فجواب الأمر من هذا الكلام محذوف، تقديره: فأرسله معهم، ويدلنا على ذلك ما جاء بعده من قوله: فلما ذهبوا به

كما حذف أيضا في قوله عزّ وجلّ: وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون. يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان

الآية، فجواب الأمر من هذا الموضع محذوف، وتقديره: فأرسلوه إلى يوسف، فأتاه، فقال له: يوسف أيها الصديق؛ وكذلك قوله تعالى: وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسئله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم. قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه

الآية؛ ففي هذا الكلام حذف واختصار استغنى عنه بدلالة الحال عليه، وتقديره: فرجع الرسول إلى الملك برسالة يوسف، فدعا الملك بالنسوة، وقال لهنّ: ما خطبكنّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>