وإذا تركت الهوى قلت: إن هذا الكتاب بديع في إغرابه، وليس له صاحب في الكتب فيقال: إنه من أخدانه أو من أترابه، مفرد بين أصحابه، ومع هذا فإني أتيت بظاهر هذا العلم دون خافيه، وحمت حول حماه ولم أقع فيه؛ إذ الغرض إنما هو الحصول على تعليم الكلم التي بها تنظم العقود وترصّع، وتخلب العقول فتخدع، وذلك شيء تحيل عليه الخواطر، لا تنطق به الدفاتر.
واعلم- أيها الناظر في كتابي- أن مدار علم البيان على حاكم الذوق السليم، الذي هو أنفع من ذوق التعليم، وهذا الكتاب- وإن كان فيما يلقيه إليك أستاذا، وإذا سألت عما ينتفع به في فنه قيل لك هذا- فإن الدربة والإدمان أجدى عليك نفعا، وأهدى بصرا وسمعا، وهما يريانك الخبر عيانا، ويجعلان عسرك من القول إمكانا، وكلّ جارحة منك قلبا ولسانا، فخذ من هذا الكتاب ما أعطاك، واستنبط بإدمانك ما أخطاك، وما مثلي فيما مهّدته لك من هذه الطريق إلا كمن طبع سيفا ووضعه في يمينك لتقاتل به، وليس عليه أن يخلق لك قلبا، فإن حمل النصال، غير مباشرة القتال.
وإنّما يبلغ الإنسان غايته ... ما كلّ ماشية بالرّحل شملال «١»
ولنرجع إلى ما نحن بصدده، فنقول: أما مقدمة الكتاب، فإنها تشتمل على عشرة فصول: