ومن السجع الطويل أيضا ما يزيد على هذه العدة المذكورة، وهو غير مضبوط.
واعلم أن التصريع في الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور، وفائدته في الشعر أنه قبل كمال البيت الأول من القصيدة تعلم قافيتها، وشبه البيت المصرّع بباب له مصراعان متشاكلان.
وقد فعل ذلك القدماء والمحدثون، وفيه دلالة على سعة القدرة في أفانين الكلام؛ فأما إذا كثر التصريع في القيدة فلست أراه مختارا؛ إلا أنّ هذه الأصناف من التصريع والترصيع والتجنيس وغيرها إنما يحسن منها في الكلام ما قلّ وجرى مجرى الغرّة من الوجه، أو كان كالطراز من الثوب، فأما إذا تواترت وكثرت فإنها لا تكون مرضية؛ لما فيها من أمارات الكلفة وهو عندي ينقسم إلى سبع مراتب، وذلك شيء لم يذكره على هذا الوجه أحد غيري:
فالمرتبة الأولى:- وهي أعلى التصريع درجة- أن يكون كل مصراع من البيت مستقلّا بنفسه في فهم معناه غير محتاج إلى صاحبه الذي يليه، ويسمى التصريع الكامل، وذلك كقول امرئ القيس «١» :
أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل ... وإن كنت قد أزمعت هجرا فأجملي
فإن كل مصراع من هذا البيت مفهوم المعنى بنفسه غير محتاج إلى ما يليه.
وعليه ورد قول المتنبي «٢» :
إذا كان مدح فالنّسيب المقدّم ... أكلّ فصيح قال شعرا متيّم