وأما الثالث فكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«وهل يكبّ النّاس على مناخرهم في نار جهنّم إلّا حصائد ألسنتهم» كأنه قال: كلام الألسنة كحصائد المناجل.
وهذا القسم لا يكون المشبه به مذكورا فيه، بل تذكر صفته، ألا ترى أن المنجل لم يذكر ههنا، وإنما ذكرت صفته، وهي الحصد؛ وكل ما يجيء من هذا القسم فإنه لا يرد إلا كذلك.
وأما القسم الرابع والخامس اللذان هما أشكل الأقسام المذكورة في تقدير أداة التشبيه فيهما فإنهما لا يتفطن لهما أنهما تشبيه.
فمما جاء من القسم الرابع قوله تعالى:«والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم»
وتقديره أداة التشبيه في هذا الموضع أن يقال: هم في إيمانهم كالمتبوئ دارا: أي أنهم قد اتخذوا الإيمان مسكنا يسكنونه، يصف بذلك تمكنهم منه.
وعلى هذا ورد قول أبي تمام «١» :
نطقت مقلة الفتى الملهوف ... فتشكّت بفيض دمع ذروف
وإذا أردنا أن نقدر أداة التشبيه ههنا قلنا: دمع العين كنطق اللسان، الباكية كأنما تنطق بما في الضمير.