محذوفتان، والمعنى الذي دلّا عليه باق، فصار المعنى حينئذ مفهوما مع حذفهما فهو إذا زائد لا محالة، وكذلك جميع المحذوفات على اختلافها وتشعّب مقاصدها، وهذا لا نزاع فيه؛ لبيانه ووضوحه.
وقد سنح لي في زيادة المعنى على اللفظ في غير المحذوفات دليل أنا ذاكره، وهو أنا نجد من الكلام ما يدل على معنيين وثلاثة، واللفظ واحد، والمعاني التي تحته متعددة.
فأما الذي يدل على معنيين فالكنايات جميعها، كالذي ورد في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن أصحابه رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا خرجوا من عنده لا يتفرقون إلا عن ذواق، وهذا يدلّ على معنيين: أحدهما: إطعام الطعام: أي أنهم لا يخرجون من عنده حتى يطعموا، الآخر: أنهم لا يتفرقون إلا عن استفادة علم وأدب يقوم لأنفسهم مقام الطعام لأجسامهم.
وأما الذي يدل على ثلاثة معان فكقول أبي الطيب المتنبي «١» :
وأظلم أهل الظّلم من بات حاسدا ... لمن بات في نعمائه يتقلّب
فهذا يدلّ على ثلاثة معان: الأول: أنه يحسد من أنعم عليه، الثاني: ضد الأول، الثالث: أنه يحسد كل ربّ نعمة كائنا من كان: أي يحسد من بات في نعماء نفسه يتقلب.
وهذا وأمثاله من أدلّ الدليل على زيادة المعنى على اللفظ، وهو شيء استخرجته، ولم يكن لأحد فيه قول سابق.
وحيث فرغنا من الكلام على هذا الموضع فلنتبعه بذكر أقسام الإيجاز المشار إليها أولا وما ينصرف إليه؛ فنقول: أما الإيجاز بالحذف فإنه عجيب الأمر، شبيه