تعليل معلّله محذوف: أي وإنما فعلنا ذلك لنجعله آية للناس، فذكر السبب الذي صدر الفعل من أجله، وهو جعله آية للناس، ودل به على المسبب الذي هو الفعل.
ومما ورد من ذلك في الأخبار النبوية قصة الزبير بن العوام رضي الله عنه والرجل الأنصاري الذي خاصمه في شراح الحرة التي يسقي منها النخل، فلما حضرا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال للزبير:«اسق ثمّ أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاري، وقال: يا رسول الله؛ أن كان ابن عمتك، فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال:«اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر» وفي هذا الكلام محذوف تقديره: أن كان ابن عمتك حكمت له، أو قضيت له، أو ماجرى هذا المجرى، فذكر السبب الذي هو كونه ابن عمته، ودل به على المسبب الذي هو الحكم أو القضاء؛ لدلالة الكلام عليه.
وأما الاكتفاء بالمسبب عن السبب فكقوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم
أي: إذا أردت قراءة القرآن، فاكتفى بالمسبب الذي هو القراءة عن السبب الذي هو الإرادة، والدليل على ذلك أنّ الاستعاذة قبل القراءة، والذي دلّت عليه أنها بعد القراءة، كقول القائل: إذا ضربت زيدا فاجلس؛ فإن الجلوس إنما يكون بعد الضرب، لا قبله، وهذا أولى من تأول من ذهب إلى أنه أراد فإذا تعوذت فاقرأ، فإن ذلك قلبا لا ضرورة تدعو إليه، وأيضا فليس كل مستعيذ واجبة عليه القراءة.
وعلى هذا ورد قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
والوضوء إنما يكون قبل الصلاة، لا عند القيام إليها؛ لأن القيام إليها هو مباشرة لأفعالها من الركوع والسجود والقراءة وغير ذلك، وهذا إنما يكون بعد الوضوء، وتأويل الآية إذا أردت القيام الى الصلاة فاغسل، فاكتفى بالمسبب عن السبب.
وكذلك ورد قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إذا قام أحدكم إلى الصّلاة فليتوضّأ» أي: إذا أراد القيام إلى الصلاة، وإنما يعبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل لأن الفعل مسبب عن الإرادة، وهو مع القصد إليه موجود، فكان منه بسبب وملابسة ظاهرة.