فإن هذا له وجهان من التأويل: أحدهما: القتل الحقيقي الذي هو معروف، والآخر: هو القتل المجازي، وهو الإكباب على المعاصي، فإن الإنسان إذا أكبّ على المعاصي قتل نفسه في الآخرة.
ومن ذلك ما ورد في قصة إبراهيم وذبح ولده عليهما السلام، فقال الله تعالى حكاية عنه:«وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين. رب هب لي من الصالحين.
فبشرناه بغلام حليم. فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه في الآخرين. سلام على إبراهيم. كذلك نجزي المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين»
فقوله تعالى:«وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين»
قد يكون بشارة بنبوته بعد البشارة بميلاده، وقد يكون استئنافا بذكره بعد ذكر إسمعيل عليه السلام وذبحه، والتأويل متجاذب بين هذين الأمرين، ولا دليل على الاختصاص بأحدهما، ولم يرد في القرآن ما يدل على أن الذبيح إسمعيل ولا إسحق عليهما السلام، وكذلك لم يرد في الأخبار التي صحّت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأمّا ما يروى عنه أنه قال:«أنا ابن الذّبيحين» فخارج عن الأخبار الصحيحة، وفي التوراة أن إسحق عليه السلام هو الذبيح.
ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لأزواجه:«أطولكنّ يدا أسرعكنّ لحوقا بي» فلما مات صلوات الله عليه جعلن يطاولن بين أيديهن حتى ينظرن أيتهن أطول يدا، ثم كانت زينب أسرعهن لحوقا به، وكانت كثيرة الصدقة، فعلمن حينئذ أنه لم يرد الجارحة، وإنما أراد الصدقة؛ فهذا القول يدل على المعنيين المشار إليهما.
ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: خدمت