وهذا يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما: أنه أراد بسعي الدهر سرعة تقضّي الأوقات مدّة الوصال، فلما انقضى الوصل عاد الدهر إلى حالته في السكون والبطء؛ والآخر: أنه أراد بسعي الدهر سعي أهل الدهر بالنمائم والوشايات، فلما انقضى ما كان بينهما من الوصل سكنوا وتركوا السعاية، وهذا من باب وضع المضاف إليه مكان المضاف، كقوله تعالى:«وسئل القرية»
أي أهل القرية.
ومن الدقيق المعني في هذا الباب قول أبي الطيب المتنبي في عضد الدولة من جملة قصيدته التي أولها:
أوه بديل من قولتي واها
فقال:
لو فطنت خيله لنائله ... لم يرضها أن تراه يرضاها
وهذا يستنبط منه معنيان غيران: أحدهما: أن خيله لو علمت مقدار عطاياه؛ لأن عطاياه أنفس منها، والآخر: أن خيله لو علمت أنه يهبها من جملة عطاياه لما رضيت ذلك؛ إذ تكره خروجها عن ملكه، وهذان الوجهان أنا ذكرتهما وإنما المذكور منهما أحدهما.
وهذا الذي أشرت إليه من الكلام على المعاني وتأويلاتها كاف لمن عنده ذوق وله قوة على حملها على أشباهها ونظائرها.