للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تشمر في هذا الأمر تشميرا يرهبه الناس «١» ، ولا تدع ربا حتى تضعه وأول ربا تضعه ربا العباس، فتأديب الكبير قاض بتهذيب الصغير، والأسوة بالرفيع خلاف الأسوة بالنظير، وجل معاملة الربا تجري في سوق الصرف الذي تختلف به النقود، وتفترض فيه العقود، ويخاض في نار نيره إلى النار ذات الوقود، وبه قوم أوسعوا عيون الموازين غمزا، وألسنتها همزا ولمزا، وأصبح الدرهم والدينار عندهم بمنزلة الصنمين اللات والعزّى، ولا يرى منهم إلا من الحرص مفاض على ثيابه، وقد جمع بين المعرفة بالحرام والهجوم على ارتكابه، فعدّل ميل هؤلاء تعديلا، وتخوّلهم على مرور الأيام تخويلا واعلم أنك قد وليت من الكيل والميزان أمرين هلكت فيهما الأمم السالفة فباشرهما بيدك مباشرة الاختيار والاختبار، ولا تقل أهلهما عثرة فإن الإقالة لا تنهى عن العثار، وكل هؤلاء من سواد الناس ممن لم يزك غرسه، ولا فقهت نفسه، وليس همه إلا فرجه أو ضرسه، فخذهم بآلة التعزيز التي هي نزاعة للشّوى، تدعو من أدبر وتولى، ومن آثارها أنها ترجّ أرض الرأس رجّا، وتفرج سماءه فرجا، ويسلك بصاحبه هديا ونهجا.

وقد كثر في الأسواق الخلابة والنّجس وتلقّي الرّكبان وبيع الحاضر للبادي وتنفيق السّلعة باليمين الكذابة، وكل هذه من المحظورات التي وردت الأخبار النبوية ببيانها، والنهي عن تورّد مكانها، فمن قارف شيئا منها جاهلا بتحريمه فقوّمه بالتعليم، واهده إلى الصراط المستقيم، ومن عرف ما اقترف فأذقه حرّ التأديب، قبل أن يذاق غدا حرّ التعذيب، وأعلمه أن الأرزاق بيد الله تعالى لا ينقصها عجز القاعد ولا يزيدها حرص الكادح، وقد ينقلب الجاهد فيها بصفقة الخاسر والوادع بصفقة الرابح، ومن سنة الله تعالى أن ينمي الحلال وإن كان يسيرا، ويمحق الحرام وإن كان كثيرا، ومن الناس من آتاه الله مالا فبثّ في الأسواق جنود ذهبه وورقه، واحتكر ما حمله الميزان من ذوات رطله ووسعه الكيل من ذوات وسقه، فأصبح فقراء بلده في ضيق من عدم الرفق، ومدد الرزق، فليمنع هؤلاء أن يجعلوا رزق الله محتكرا،

<<  <  ج: ص:  >  >>