للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك قوله تعالى: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم.

ومثل قوله تعالى: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب.

وهذه الآيات يظن أنها من باب التكرير، وليست كذلك، وقد أنعمت نظري فيها فرأيتها خارجة عن حكم التكرير، وذاك أنه إذا طال الفصل من الكلام، وكان أوله يفتقر إلى تمام لا يفهم إلا به؛ فالأولى في باب الفصاحة أن يعاد لفظ الأول مرة ثانية؛ ليكون مقارنا لتمام الفصل؛ كي لا يجيء الكلام منثورا؛ لا سيما في إنّ وأخواتها؛ فإذا وردت إنّ وكان بين اسمها وخبرها فسحة طويلة من الكلام فإعادة إنّ أحسن في حكم البلاغة والفصاحة؛ كالذي تقدم من هذه الآيات.

وعليه ورد قول بعضهم من شعراء الحماسة «١» :

أسجنا وقيدا واشتياقا وغربة ... ونأي حبيب إنّ ذا لعظيم

وإنّ امرأ دامت مواثيق عهده ... على مثل هذا إنّه لكريم

فإنه لما طال الكلام بين اسم إنّ وخبرها أعيدت إنّ مرة ثانية؛ لأن تقدير الكلام، وإنّ آمرا دامت مواثيق عهده على مثل هذا لكريم؛ لكن بين الاسم والخبر مدى طويل؛ فإذا لم تعد إنّ مرة ثانية لم يأت على الكلام بهجة ولا رونق، وهذا لا يتنبه لاستعماله إلا الفصحاء إما طبعا وإما علما.

وكذلك يجري الأمر إذا كان خبر إنّ عاملا في معمول يطول ذكره؛ فإن إعادة الخبر ثانية هو الأحسن.

وعلى هذا جاء قوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام: إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين

فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>