فقوله «أقوى وأقفر» من المعيب؛ لأنهما لفظان وردا بمعنى واحد لغير ضرورة؛ إذ الضرورة لا تكون إلا في القافية كما أريتك.
وأما ما ورد من صدور الأبيات فكقول البحتري في قصيدته العينية «١» :
ألمّت وهل إلمامها بك نافع ... وزارت خيالا والعيون هواجع
فإن قوله «ألمت» وقوله «زارت خيالا» سواء، ولا فرق إذا بين صدر البيت وعجزه.
فإن قيل: إنه أراد بالإلمام زيارة اليقظة، ثم قال «وزارت خيالا» .
فالجواب عن ذلك أنه لم يرد إلا زيارة المنام في الحالتين؛ لأنه قال «ألمت وهل إلمامها بك نافع» ولو كان الإلمام في اليقظة لما قال «وهل إلمامها بك نافع» ؛ فإنه لا نفع من زيارة المحبوب في اليقظة، وهذا غير خاف لا يحتاج إلى السؤال عنه.
فإن قيل: لم أجزت ذلك للناظم وحظرته على الناثر؟.
قلت في الجواب: أما الناثر إذا سجع كلامه فالغالب أن يأتي به مزدوجا على فقرتين من الفقر، ويمكنه إبدال تلك الفقرتين بغيرهما، فيسلم منه؛ وأما الشاعر فإنه يصوغ قصيدا ذا أبيات متعددة على قافية من القوافي؛ فإذا تكرر لديه شيء من الكلام في آخر بيت من الأبيات عسر إبداله من أجل القافية، وهذا غير خاف، والسؤال عنه غير وارد.
وهذا الذي ذكرته إذا ورد في غير القافية سمي إخلاء، ويقال: إن البحتري كان يخلي كثيرا في شعره، وهو لعمري كذلك، إلا أن حسن سبكه ورونق ديباجته يغفر له ذلك.