للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المزهر أيقن أنهن هوالك، وغرض الأعرابية من هذا القول أن تصف زوجها بالجود والكرم، إلا أنها لم تذكر ذلك بلفظه الصريح، وإنما ذكرته من طريق الكناية على وجه الإرداف الذي هو لازم له.

وكذلك ورد في الأخبار النبوية أيضا، وذاك أن امرأة جاءت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألته عن غسلها من الحيض، فأمرها أن تغتسل، ثم قال: «خذي فرصة من مسك فتطهّري بها» قالت: كيف أتطهر بها؟ فقال: «تطهّري بها» قالت: كيف أتطهر بها؟

قال: «سبحان الله! تطهّري بها» فاجتذبتها عائشة رضي الله عنها إليها، وقالت:

تتبّعي بها أثر الدم، فقولها «أثر الدم» كناية عن الفرج على طريق الإرداف؛ لأن أثر الدم في الحيض لا يكون إلا في الفرج، فهو رادف له.

ومما ورد من ذلك شعرا قول عمر بن أبي ربيعة «١» :

بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم

فإن بعد مهوى القرط دليل على طول العنق.

ومن لطيف هذا الموضع وحسنه ما يأتي بلفظه مثل؛ كقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح: مثلي لا يفعل هذا: أي أنا لا أفعله، فنفى ذلك عن مثله ويريد نفيه عن نفسه؛ لأنه إذا نفاه عمن يماثله ويشابهه فقد نفاه عن نفسه لا محالة؛ إذ هو ينفي ذلك عنه أجدر، وكذلك يقال: مثلك إذا سئل أعطى: أي أنت إذا سئلت أعطيت، وسبب ورود هذه اللفظة في هذا الموضع أنه يجعل من جماعة هذه أوصافهم تثبيتا للأمر وتوكيدا، ولو كان فيه وحده لقلق منه موضعه، ولم يرس فيه قدمه، وهذا مثل قول القائل إذا كان في مدح إنسان: أنت من القوم الكرام: أي لك في هذا الفعل سابقة، وأنت حقيق به، ولست دخيلا فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>