للمناسبة بينهما وبين ما أتى بعدهما من ذكر الجبل الذي هو الطور.
وعلى هذا ورد قول الشاعر في أبيات الحماسة «١» :
ولو كنت مولى قيس عيلان لم تجد ... عليّ لإنسان من النّاس درهما
ولكنّني مولى قضاعة كلّها ... فلست أبالي أن أدين وتغرما
فإذا نظرنا إلى البيت الأول وجدناه يحتمل مدحا وذما: أي أنهم كانوا يغنونه بعطائهم أن يدين، أو أنه كان يخاف الدّين حذر أن لا يقوموا عنه بوفائه، لكن البيت الثاني حقق أن الأول ذم وليس بمدح «٢» ؛ فهذا المعنى لا يتحقق فهمه إلا بآخره.
وأما الذي يكون الترجيح فيه بسبب شيء خارج عن مفهوم اللفظ فقوله تعالى:«وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم»
؛ فهذا مستنبط منه معنيان: أحدهما: أن الله يعلم السر والجهر في السموات والأرض، وفي ذلك تقديم وتأخير: أي يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض؛ والآخر: أنه في السموات، وأنه يعلم السر والجهر في الأرض من بني آدم؛ لأن الوقف يكون على السموات ثم يستأنف الكلام، فيقول: يعلم سركم وجهركم في الأرض، إلا أن هذا يمنع منه اعتقاد التجسيم، وذلك شيء خارج عن مفهوم اللفظ.