يقال: نفقت السلعة؛ إذا راجت، وكان لها سوق، ونفقت الدابة؛ إذا ماتت، وموضع المناقضة ههنا في قوله: إنها إذا نفقت كسدت، فجاء بالشيء ونقيضه، وجعل هذا سببا لهذا، وذلك من المغالطة الحسنة.
ومن ذلك ما كتبته في جملة كتاب إلى ديوان الخلافة يتضمن فتوح بلد من بلاد الكفار؛ فقلت في آخر الكتاب «١» : وقد ارتاد الخادم من يبلغ عنه مشاريح هذه الوقائع التي اختصرها، ويمثّل صورها لمن غاب عنها كما تمثلت لمن حضرها، ويكون مكانه من النباهة كريما كمكانها، وهي عرائس المساعي فأحسن الناس بيانا مؤهّل لإبداع حسانها، والسائر بها فلان وهو راوي أخبار نصرها التي صحّتها في تجريح الرجال، وعوالي إسنادها مأخوذة من طرق العوال، واللّيالي والأيام لها رواة فما الظن برواية الأيام والليال.
في هذا الفصل مغالطة نقيضية، ومغالطة مثلية؛ أما المغالطة المثلية فهي في قولي:«وعوالي إسنادها مأخوذة من طرق العوال»«٢» وقد تقدم الكلام على هذا وما يجري مجراه في القسم الأول؛ وأما المغالطة النقيضية فهي قولي:«وهو راوي أخبار نصرها التي صحتها في تجريح الرجل» وموضع المغالطة منه أنه يقال في رواة الأخبار: فلان عدل صحيح الرواية، وفلان مجروح: أي سقيم الرواية غير موثوق به، فأتيت بهذا المعنى على وجه النقيض، فقلت: صحة أخبار هذه الفتوح في تجريح الرجل: أي تجريحهم في الحرب، وفي هذا من الحسن ما لا خفاء به.
وقد أوردت من هذه الأمثلة ما فيه كفاية ومقنع.
فإن قيل: إن الضرب الأول من هذا النوع هو التجنيس الذي لفظه واحد