للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا من اللطافة على ما يشهد لنفسه، وكان سمعه بعض المتأخرين من أهل زماننا، فأجاب عنه ببيتين على وزنه وقافيته، وهما:

سؤالك جلمود من الصّخر أسود ... خفيف لطيف ناعم الجسم أطلس

أقيم بسوق الصّرف حكما كأنّه ... من الزّنج قاض بالخلوق مطلّس

وقد رأيت هذا الشاعر، وهو حائك بجزيرة ابن عمر، وليس عنده من أسباب الأدب شيء سوى أنه قد أصلح لسانه بطرف يسير من علم النحو لا غير، وهو مع ذلك يقول الشعر طبعا، وكان يجيد في الكثير منه.

ومن الألغاز ما يرد على حكم المسائل الفقهية، كالذي أورده الحريري في مقاماته، وكنت سئلت عن مسألة منه، وهي:

ولي خالة وأنا خالها ... ولي عمّة وأنا عمّها

فأمّا الّتي أنا عمّ لها ... فإنّ أبي أمّه أمّها

أبوها أخي وأخوها أبي ... ولي خالة هكذا حكمها

فأين الفقيه الذي عنده ... فنون الدّراية أو علمها

يبيّن لنا نسبا خالصا ... ويكشف للنّفس ما همّها

فلسنا مجوسا ولا مشركين ... شريعة أحمد نأتمّها

وهذه المسألة كتبت إليّ فتأملتها تأمل غير ملجلج في الفكر، ولم ألبث أن أنكشف لي ما تحتها من اللغز، وهو أن الخالة التي الرجل خالها تصور على هذه الصورة، وذاك أن رجلا تزوج امرأتين: اسم إحداهما عائشة، واسم الأخرى فاطمة، فأولد عائشة بنتا، وأولد فاطمة ابنا، ثم زوج بنته من أبي امرأته فاطمة، فجاءت ببنت، فتلك البنت هي خالة ابنه، وهو خالها؛ لأنه أخو أمها. وأما العمة التي هو عمّها فصورتها أن رجلا له ولد، ولولده أخ من أمه، فزوج أخاه من أمه أمّ أبيه، فجاء بنت، فتلك البنت هي عمته؛ لأنها أخت أبيه، وهو عمها؛ لأنه أخو أبيها، وأما قوله «ولي خالة هكذا حكمها» فهو أن تكون أمها أخته، وأختها أمه، كما قال «أبوها أخي

<<  <  ج: ص:  >  >>