للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيامها في أيام الدهر أحيانا، وصوّرها في وجهه عينا وفي عينه إنسانا، ومدّ ظلّها على الناس عدلا وإحسانا، وجمع الأمم على دين طاعتها وإن تفرّقوا أديانا، وأتاها من معجزات سلطانه ما لم ينزل به لغيرها سلطانا، فارتاح الخادم لا لتقائها، وبسط يده لاستسقائها، وقال: رحمة مرسلة لا تخشى رعودها، ولا تخلف وعودها، ومن شأنها ترويض الصنائع التي تبقي آثارها، لا الحمائل التي تذوي أزهارها، وقد يعبر عن الكتاب ونائله، بالسحاب ووابله؛ فإن صدر عن يد كيد الديوان العزيز فقد وقع التشبيه موقع الصواب، وصدق حينئذ قول القائل: إن البحر عنصر السحاب، لكن فرق بين ما يجود بمائه، وما يجود بنعمائه، وبين ما يسم الأرض الماحلة، وبين ما يسمي الأقدار الخاملة، وما زالت كتب الديوان العزيز تضرب لها الأمثال، وتصرف نحوها الآمال، ويرى الحسد فيها حسدا وإن عدّ في غيرها من سييء الأعمال. وهذا فصل من أول الكتاب.

ومن جملة الكتب المشار إليها مفتتح كتاب كتبته إلى بعض الإخوان وأرسلته إليه من الموصل إلى أرض الشمال من بلاد الروم، وهو: طلع كوكب من أفق المجلس السامي لا خلت سيادته من عدو وحاسد، ولا شينت بتوأم يخرجها عن حكم الواحد، ولا عدمت صحبة الجدود المتيقّظة في الزمن الراقد، ولا أوحشت الدينا من ذره الخالد الذي هو عمر خالد، ولا زال مرفوعا إلى المحل الذي يعلم به أن الدهر للناس ناقد، والكواكب تختلف مطالعها في الشمال والجنوب؛ فمنها ما يطلع دائما في أحدهما وهو في الآخر دائم الغروب، وكتاب المجلس كوكب لم ير بهذه الأرض مطلعه، وإن علم من السماء أين موضعه، ولما ظهر الآن للخادم سبّح له حامدا، وخرّ له ساجدا، وقال: قد عبدت الكواكب من قبلي فلا عجب أن أكون لهذا الكوكب عابدا، وها أنا قد أصبحت بالعكوف على عبادته مغرى، وقال الناس:

هذا ابن كبشة الكتاب «١» لا ابن أبي كبشة الشّعرى.

وهذا مطلع غريب، والسياقة التالية لمطلعه أغرب، ومن أغرب ما فيها قولي «وها أنا قد أصبحت بالعكوف على عبادته مغرى، وقال الناس هذا ابن كبشة

<<  <  ج: ص:  >  >>