فقولها «بمذمومة الأخلاق واسعة الحر» من المقابلة البعيدة، بل الأولى أن كانت قالت «بضيقة الأخلاق واسعة الحر» حتى تصح المقابلة.
وهذا مما يدل على أن العربيّ غير مهتد إلى استعمال ذلك بصنعته، وإنما يجيء له منه ما يجيء بطبعه، لا بتكلفه، وإذا أخطأ فإنه لا يعلم الخطأ، ولا يشعر به، والدليل على ذلك أنه لو أبدلت لفظة مذمومة بلفظة ضيقة لصح الوزن، وحصلت المقابلة، وإنما يعذر من يعذر في ترك المقابلة في مثل هذا المقام إذا كان الوزن لا يواتيه.
وأما المحدثون من الشعراء فإنهم اعتنوا بذلك خلاف ما كانت العرب عليه، لا جرم أنهم أشدّ ملامة من العرب.
فمن ذلك قول أبي الطيب المتنبي «١» :
لمن يطلب الدّنيا إذا لم يرد بها ... سرور محبّ أو مساءة مجرم «٢»
فإن المقابلة الصحيحة بين المحب والمبغض، لا بين المحب والمجرم، وليست متوسطة أيضا حتى يقرب الحال فيها، وإنما هي بعيدة؛ فإنه ليس كل من أجرم إليك كان مبغضا لك.