للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالذم، ولو كان هذا الأمر يرجع إلى المعنى فقط لكانت جميع الألفاظ الدالة عليه سواء في الاستعمال، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف دون الأصل.

ولنضرب له مثالا فنقول: هل يجوز أن يخاطب الملك فيقال له: وحقّ دماغك؛ قياسا على وحقّ رأسك؟ وهذا يرجع إلى أدب النفس دون أدب الدرس.

فإذا أراد مؤلف الكلام أن يمدح ذكر الرأس والهامة والكاهل، وما جرى هذا المجرى، فإذا أراد أن يهجو ذكر الدّماغ والقفا والقذال، وما جرى هذا المجرى، وإن كانت معاني الجميع متقاربة، ومن أجل ذلك حسنت الكناية في الموضع الذي يقبح فيه التصريح.

ومن أحسن ما بلغني من أدب النفس في الخطاب أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل قباث بن أشيم، فقال له: أنت أكبر أم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكبر مني وأنا أقدم منه في الميلاد، فانظر إلى أدب هذا العربي الذي من شأنه وشأن أمثاله جفاء الأخلاق والبعد عن فطانة الآداب.

وأما الإفراط فقد ذمه قوم من أهل هذه الصناعة، وحمده آخرون، والمذهب عندي استعماله؛ فإن أحسن الشعر أكذبه، بل أصدقه أكذبه، لكنه تتفاوت درجاته؛ فمنه المستحسن الذي عليه مدار الاستعمال، ولا يطلق على الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مهما ذكر به من المعاملات في صفاته فإنه دون ما يستحقه.

ومما ورد من ذلك في الشعر قول عنترة «١» :

وأنا المنيّة في المواطن كلّها ... والطّعن منّي سابق الآجال «٢»

<<  <  ج: ص:  >  >>