فأعرض مزورّا كأنّ بوجهه ... تفقّؤ رمّان وقد برد الصّدر
فما زلت أرقيه وألثم خدّه ... إلى أن تغنّى راضيا وبه سكر
ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك القطر «١»
وقد استعمل هذا الضرب كثيرا الخطيب عبد الرحمن بن نباتة رحمه الله؛ فمن ذلك قوله في بعض خطبه، وهو: فيأيّها الغفلة المطرقون، أما أنتم بهذا الحديث مصدّقون، فما لكم منه لا تشفقون، فو ربّ السماء والأرض إنه لحقّ مثل ما أنكم تنطقون.
وكذلك قوله في ذكر يوم القيامة، وهو: فيومئذ تغدو الخلائق على الله بهما، فيحاسبهم على ما أحاط به علما، وينفذ في كل عامل بعمله حكما، وعت الوجوه للحيّ القيوم وقد خاب من حمل ظلما.
ألا ترى إلى براعة هذا التضمين الذي كأنه قد رصع في هذا الموضع رصعا.
وعلى نحو من ذلك جاء قوله في ذكر يوم القيامة، وهو: هناك يقع الحساب على ما أحصاه الله كتابا، وتكون الأعمال المشوبة بالنفاق سرابا، يوم يقوم الروح والملائكة صفّا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا.
ومما ينتظم بهذا السلك قوله في خطبة أخرى، وهو: أسكتهم الله الذي أنطقهم، وأبادهم الذي خلقهم وسيجدهم كما أخلقهم، ويجمعهم كما فرّقهم، يوم يعيد الله العالمين خلقا جديدا، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودا، يوم تكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا.
ومن هذا الباب قوله أيضا: هنالك يرفع الحجاب، ويوضع الكتاب، ويجمع من وجب له الثواب، ومن حق عليه العقاب، فيضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
وأمثال هذه التضمينات في خطبه كثيرة، وهي من محاسن ما يجيء في هذا النوع.