للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا الحديث -وغيره من الأحاديث المتضافرة المتواترة التي سيأتي بيانها في المبحث القادم بإذن الله-عَلَمٌ على تبعُّض الإيمان، وتفاوته في القلوب، وأنه ينقص حتى لا يبقى منه إلاّ ما يزن شعيرة، أو ما يَزِن ذرة كما هو منطوق الحديث.

يقول الإمام ابن خزيمة - رحمه الله -: (مع البيان الواضح أنَّ النَّاسَ يتفاضلون في إيمان القلب ضد قول من زعم من غالية المرجئة أن الإيمان لا يكون في القلب، وخلاف قول من زعم من غير المرجئة أنَّ الناس إنما يتفاضلون في إيمان الجوارح الذي هو كسب الأبدان فإنهم زعموا أنهم متساوون في إيمان القلب الذي هو التصديق وإيمان اللسان الذي هو الإقرار ... ) (١)

إلى غير ذلك من الأوجه الدَّالة على تفاوت الإيمان، وتفاضله.

وقد خالف في هذه الحقيقة طائفتان:

الأولى: المرجئة. بجميع فرقها الّذين اتفقوا على إخراج العمل عن مُسمى الإيمان، والمنع من وقوع التفاوت فيه (٢) .

والأُخرى: الوعيدية. بفرقتيها الخوارج والمعتزلة. ومحصّل مواقفهم من هذه الأحاديث، إمَّا ردّها معتلِّين في ذلك بكونها أخبار آحاد لاتفيد اليقين، وإمَّا تعطيلها عن دلالتها بتسليط التأويل عليها.

ومن أمثلة هذا التأبي: ماتراه عند الجويني؛ حيث أبى قبول حديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة) (٣)؛لكونه خبرَ آحادٍ. وفي ذلك يقول: (وأَمَّا الحديث فهو من الآحاد، ثُمَّ هو متروك. والعرب تسمي


(١) كتاب التوحيد (٢/ ٧٠٣ - ٧٠٢) وابن خزيمة (٢٢٣ - ٣١١ هـ):هو محمد بن إسحاق بن المغيرة بن صالح، أبو بكر السُّلمي النيسابوري الشَّافعي، إمام الأئمة الحافظ الحجّة الفقيه، كان يُضرب به المثل في سعة العلم والاتقان، من تصانيفه: "الصحيح"،و "كتاب التوحيد"= انظر: "سير أعلام النُّبلاء" (١٤/ ٣٦٥)،و"طبقات الشافعية" (٣/ ١٠٩)
(٢) انظر: "مقالات الإسلاميين"لأبي الحسن الأَشعري (١٣٢)، و"البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان"للسّكسكي (٣٣)
(٣) تقدم تخريجه في المطلب الأوَّل

<<  <   >  >>