للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيء إذا دلّ عليه، أو كان منه بسبب (١) فالحديث عنده ليس بحجة؛ لكونه خبر آحاد، واشتغاله بتأويله مع صراحة الحديث=إنما هو على ما جرى عليه المتكلمون من أنّ ذلك على سبيل التبرع! لذا أعمل أَبو العبَّاس القُرطبي التأويل على حديث الشُّعَب، فلم يعدّها -أي الشعب- من حقيقة الإيمان، وإنّما أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها إيمانًا من باب التوسُّع المعروف في لغة العرب. وفي ذلك يقول: (الإيمان في هذا الحديث يراد به الأعمال، بدليل أنه ذكر فيه أعلى الأعمال، وهو قول: لا إله إلا الله، وأدناها أي أقربها = وهو إماطة الأذى، وهما عملان فما بينهما من قبيل الأعمال، وقد قدمنا القول في حقيقة الإيمان شرعًا ولغة، وأن الأعمال الشرعية تُسمى إيمانًا مجازًا وتوسعًا؛ لأنها تكون عن الإيمان غالبًا) (٢)

ويقول ابن الملك: (لمَّا كانت الأعمال الصَّالحة خُلُقًا لأَهل الإيمان، وإّنها مِن جُمْلة الدلائل عليه =أُطلِق اسم الإيمان عليها مجازًا) (٣)

ويقول القاضي عياض -رحمه الله- في شرحه لحديث الجهنميّين: (وقوله: "من وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان " و"من خير" و" أدنى أدنى" على ماوردت في ألفاظ الحديث. قيل: من اليقين. والصحيحُ: أنَّ


(١) "الإرشاد" للجويني (٣٩٨ - ٣٩٩)
(٢) "المُفهم"لأَبي العبَّاس القرطبي (١/ ٢١٦) والقرطبي (٥٧٨ - ٦٥٦ هـ):هو أحمد بن عمر بن إبراهيم الأَنصاري المالكي، مُحدِّث من كبار الأئمة، من تصانيفه "مختصر الصحيحين"، و"المُفهم في شرح مختصر مسلم"=انظر: "شذرات الذَّهب" (٧/ ٤٧٣)
(٣) "مبارق الأزهار "لابن الملك (٢/ ٣٧٩)

<<  <   >  >>