للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسمين، وحكم بين حكمين، لا يكون اسمه اسم الكافر ولا اسمه اسم المؤمن، وإنما يُسمى فاسقًا، وكذلك فلا يكون حكمه حكم الكافر، ولا حكم المؤمن، بل يفرد له حكم ثالث، وهذا الحكم الذي ذكرناه هو سبب تلقيب المسألة بـ"المنزلة بين المنزلتين") (١)

فإن قيل: ما وجه التمايز بين قول أهل السُّنة والجماعة وقول المعتزلة مع كونهم اتَّفقوا على دخول العمل في مُسَمَّى الإيمان، وامتنعوا من تسمية مرتكب الكبيرة كافرًا.

فيقال: حقيقة الفرق بين أهل السنة والمعتزلة يظهر في أربعة أمور:

الأول: أن أهل السنة وإن جعلوا العمل ركنًا في الإيمان فهذا الاعتبار إنما هو باعتبار جنسه لا باعتبار آحاده.

وبيان ذلك: أَنَّ جِنسَ العملِ-وهو جملة الالتزام بالشَّريعة- عند أهل السنة ركنٌ في الإيمان، وأما آحاده فمنها ما لا يتحقق أصل الإيمان إلا به، ومنها ما هو من كماله، ففوات بعض الآحاد المحققة لأصله يقتضي انتفاء الإيمان بخلاف الآحاد المقتضية لتحقيق كماله الواجب أو المستحب فإنه لا يقتضي انتفاؤها كما دلت عليه النصوص =انتفاء الإيمان جملة (٢) .

لذا فهم مُجْمِعون على جواز اجتماع شعب إيمان وشعب كفر في الشخص الواحد، باعتبار أن شعب الكفر متفاوتة، كما أن شعب الإيمان متفاوتة، فالذي يمكن أن يجتمع مع أصل الإيمان، ولا ينافيه هي شعب الكفر الأصغر والتي تنافي كمال الإيمان الواجب لا أصله، وهذا الذي دلت عليه النصوص وقام عليه الإجماع وسيأتي بيان ذلك.


(١) "شرح الأصول الخمسة" (٦٩٧)
(٢) انظر: " فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (١/ ٢٠ - ٢٥)

<<  <   >  >>