أما المرجئة بشتى فرقها، فإنَّها ذهبت هي أَيضًا إلى سلامة الأصل الذي استند إليه كل من الخوارج والمعتزلة، وهو استحالة التفاوت في حقيقة الإيمان بناء على استحالة الجمع بين النقيضين - ورأت أيضًا أنّ ما لتزمت به كلتا الطَّائفتين مخالف للدلائل الشرعية الدَّالة على ثبوت وصف الإيمان لمرتكب الكبيرة= دعاها ذلك إلى إخراج العمل من مسمى "الإيمان" ظنًّا منها أنَّ سبب ضلال تلك الفرقتين هو إدخالهما العمل في حقيقة الإيمان. ولم توفّق إلى معرفة أنَّ سبب الضلال عند التحقيق =هو التزامهم جميعًا بتلك الشُّبهة التي تفرعت عنها جميع تلك اللوازم الفاسدة.
وقد بيَّن شيخ الإسلام ذلك الأصل الذي كان سببًا لنشوء تلك الضلالات، وكشف عن تلك اللوازم بقوله: (وأصل نزاع هذه الفرق في الإيمان من الخوراج، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية وغيرهم =أنهم جعلوا الإيمان شيئًا واحدًا إذا زال بعضه زال جميعًا، وإذا ثبتَ بعضه ثبت جميعُهُ فلم يقولوا بذهاب بعض وبقاء بعضه ... ثم قالت " الخوارج والمعتزلة " الطَّاعات كلها من الإيمان فإذا ذهب بعضها ذهب بعض الإيمان فذهب سائره = فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شيء من الإيمان.
وقالت المرجئة والجهمية (١): ليس الإيمان إلا شيئًا واحدًا لا يتبعض إمَّا مجرّدُ تصديقِ القَلْب كقول الجهمية، أَو تصديق القلب واللِّسان كقول المرجئة، قالوا: لأنَّا إذا أدخلنا فيه الأعمال صارت جزءًا منه، فإذا ذهبت بعضه؛ فيلزم إخراج ذي الكبيرة من الإيمان، وهو قول
(١) إفراد شيخ الإسلام للجهميةوعطفه لها على المرجئة كل ذلك لبيان فساد قول هذه الفرقة بخصوصها وأنها أشد ضلالا من بقية فرق المرجئة =فهو من باب عطف الخاص على العام بيانًا لفساد مقالات هذه الفرقة